عن حل «التشريعي» والتهدئة
يونس السيد
ما نشهده من تصعيد في السجال الداخلي الفلسطيني لا يبشر سوى بالمزيد من التآكل والانقسام وحتى الانهيار في صفوف الفلسطينيين، ولا يخدم سوى الاحتلال، الذي بات بانتظار أن يقدم الفلسطينيون أنفسهم قضيتهم الوطنية قرباناً على مذبح خلافاتهم، على غرار القطة، التي تأكل أولادها.
بات من العبث الحديث عن الوحدة ولملمة الصفوف وإنهاء الانقسام، وكأن هذه المفردات أصبحت شيئاً من الماضي، في ضوء الجديد الفلسطيني، الذي يقدم يومياً على مسرح العبث بالقضية الوطنية. والمؤسف أن هذا الجديد لا علاقة له بمقاومة الاحتلال، وكيفية مواجهة الخطط والصفقات، التي تعد لتصفية هذه القضية، وإنما يستهدف معاقبة الفلسطينيين بعضهم ببعض نيابة عن الاحتلال المستفيد الأول، من هذه الخلافات، الذي يعمل على تغذيتها وتعميقها.
آخر الجديد الفلسطيني الذي ظهر عشية انعقاد «المجلس المركزي»؛ هو بحث حل «المجلس التشريعي»، الذي تشكل بعد اتفاق «أوسلو»، ووضعه كبند طارئ على طاولة الاجتماع، باعتبار أنه لم يعد قائماً على أرض الواقع، ومعروف أن آخر انتخابات تشريعية فلسطينية جرت في عام 2006، وفازت فيها حركة «حماس»، وشكلت بعدها حكومة وحدة وطنية لم تستمر طويلاً، إلى أن هيمن الانقسام على الساحة الفلسطينية؛ بعد أن فشلت كل الوساطات ومحاولات العودة إلى الوحدة والتوافق.
حسناً، قد يعد «حل المجلس التشريعي» والذهاب إلى انتخابات تشريعية جديدة أمراً جيداً وضرورياً، ليس فقط من أجل تفعيل هذه المؤسسة المعطلة تماماً؛ بفعل الانقسام، وإنما للوقوف على رأي الشعب الفلسطيني وكلمته في هذا السجال؛ ولكن حل «التشريعي» بدون توافق وطني وبدون مصالحة وطنية وإجراء انتخابات تشريعية جديدة، سيؤدي إلى مزيد من التعقيد في الساحة الفلسطينية، ويدخل في نطاق السجال والمناكفات القائمة، خصوصاً بين السلطة و«حماس»، والأسوأ من ذلك، هو أن يتخذ المجلس المركزي، كما يتردد، قراراً بوقف تمويل قطاع غزة نهائياً؛ حيث سيتحول الأمر إلى عقوبات، ليس ضد «حماس» فقط، وإنما ضد أكثر من مليوني فلسطيني، يعيشون تحت الحصار والانهيار الاقتصادي، وتردي كل مقومات الحياة منذ نحو 12 عاماً.
جوهر الصراع الفلسطيني يتمحور الآن حول التهدئة مع الاحتلال في قطاع غزة، ومن الذي سيديرها السلطة أم «حماس»، وتركيع كل طرف للطرف الآخر؛ لكن التهدئة بالنسبة للطرفين تحولت إلى ركن ثابت في قواعدهما السياسية، غير أن السلطة ترى أن التهدئة بين «حماس» والاحتلال، ستقوي «حماس» في الصراع الداخلي، وبالتالي فهي ترى أنها وحدها المخولة بإبرام التهدئة؛ بعد تسليمها قطاع غزة دون قيد أو شرط، وإلا فإنها ستتخلى نهائياًٍ عن القطاع. وبالمقابل، تصر «حماس» على إبرام التهدئة مع الاحتلال بمساعدة إقليمية ودولية، ما يعني أن التصعيد الداخلي والسباق في خدمة الاحتلال هو عنوان المرحلة المقبلة، فيما القضية الوطنية أصبحت خارج هذه الأجندات المتصارعة، وأصبح يحق للشعب الفلسطيني المطالبة برحيل الطرفين معاً، والبحث عن بدائل جديدة، ففلسطين لم تكن يوماً ملكاً عقارياً أو مزرعة؛ لكي يتصرف بها هذا الطرف أو ذاك، وإنما هي ملك لشعبها وللمدافعين عن قضيتها العادلة، التي ستظل القضية المركزية وأم القضايا.
younis898@yahoo.com