قضايا ودراسات

عوائق في طريق السلام!

د. ناجى صادق شراب
تتفاوت وتتعدد التفسيرات التي تفسر فشل اتفاقات أوسلو في بناء عملية سلام مستدامه، وتذهب بعض هذه التفسيرات إلى أن الصراع الفلسطيني – «الإسرائيلي» صراع مركب وممتد وغير قابل للحل، وغير قابل للتحكم في مكوناته وعناصره، أي أن قضاياه خارج حدود إرادة القيادات السياسية. وآخرون يعزون فشل هذا الاتفاق والمصالحة التاريخية بين ياسر عرفات وكل من رابين وبيريز، إلى عدم رغبة هذه القيادات والقيادات الحالية على تقديم التنازلات الضرورية للدفع بالعملية السلمية، بل إن العلاقة بين القيادتين السياسيتين في «تل أبيب» ورام الله تحكمها عدم الثقة، وفريق ثالث يرى أن فشل عملية السلام مردها سوء إدارة المفاوضات من الجانب «الإسرائيلي» الذي مارس سياسة الإكراه وفرض الأمر الواقع على الجانب الفلسطيني للقبول به، لتتحول المفاوضات إلى مفاوضات قوة وليس مفاوضات تسوية. وفريق رابع فسر الفشل في احتكار الولايات المتحدة للعملية السلمية وانحيازها الكامل لوجهة النظر «الإسرائيلية»، وتحييد دور الأمم المتحدة، وأية دولة أخرى، ما يعني تجميد دور الشرعية الدولية. وفريق خامس رأى الفشل في طبيعة الاتفاق، وفي المرحلة الانتقالية، فالاتفاق ركز على الطبيعة الأمنية للتسوية، وعدم التركيز على القضايا النهائية مثل حق العودة. ومما ساهم في فشل عملية السلام التي أعقبت اتفاق أوسلو هو ضعف دور الفواعل الأخرى عربياً وأوروبياً.
وكما نرى من متابعة هذه العملية السلمية فإنها قد وصلت لطريق مسدود منذ 2001 وحتى يومنا هذا، ولا شك أن جمود العملية السلمية أتاح ومن جديد لعوامل الصراع أن تكبر بشكل كبير، فتفاقمت حالة العداء والكراهية وعدم الثقة، وسادت الأفكار اليمينية العنصرية المتشددة في «إسرائيل». وعلى الرغم من العديد من المبادرات التي طرحت لتحريك عملية السلام إلا أن عوامل الصراع بقيت أقوى من عوامل الرغبة في السلام. وشهدت تلك المرحلة من 2001 إلى 2008 العديد من المبادرات مثل المبادرة العربية التي أبدت انفتاحاً عربياً غير مسبوق للاعتراف ب «إسرائيل» مقابل انسحابها من الأراضي العربية وقيام الدولة الفلسطينية، ومبادرة الرئيس الأمريكي بوش، ومبادرة خريطة الطريق، ومبادرة جنيف،، ومؤتمر أنا بوليس، رغم كل كل هذه المبادرات إلا أنها قد فشلت في تذليل العوائق الرئيسية التي وقفت في طريق السلام، وعدم وجود رؤى استراتيجية لتحييد العوائق السيكولوجية والتاريخية للصراع، وتخلي «إسرائيل» عن رؤاها التوراتية العنصرية الأقرب إلى الأساطير.
إن وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في الكيان الصهيوني برئاسة نتنياهو أجهض أي أمل بتسوية ممكنة وقضى على أية إمكانية للتفاهم وأعاد العملية السلمية لبداياتها الأولى، بل أسوأ مما كانت عليه.ومما زاد الأمور تعقيداً حالة الانقسام الفلسطينية وسيطرة حماس على غزة، وقيام «إسرائيل» بثلاثة اعتداءات على القطاع في أقل من عشر سنوات كانت كفيلة بإجهاض العملية السلمية. الآن ومع وصول الرئيس ترامب للرئاسة الأمريكية، ورغبته في تحقيق «صفقة القرن» كما وعد، تبقى معوقات عملية بناء السلام قائمة، ومن الضروري الوقوف أو التذكير بها ليس من باب هدف إفشال أية عملية سلام جديدة بقدر الأخذ بالاعتبار الجدية والصدقية والجهد المتكامل من الأطراف المعنية وليس فقط من الولايات المتحدة لمساعدة الفلسطينيين و«الإسرائيليين» على تجاوزها أو تحييدها في المرحلة الأولى. وهذه العوائق تتسم بالشمول والتكامل والتداخل، وأبرزها العوائق الاستراتيجية التي تتعلق بالأبعاد والتخوفات والهواجس الأمنية، والتي تسببت فيها الحروب، وغلبة الخيارات العسكرية، وتتعلق بالمسائل الحدودية الآمنة، والتخوف من قيام الدولة الفلسطينية، وبالتحالفات الأمنية، والمسائل المتعلقة بالتسلح، والسيطرة على المناطق الجبلية، والعمق الاستراتيجي، والخصائص الجيوسياسية للأراضي الفلسطينية التي يفترض أن تنسحب منها «إسرائيل» لأن هذه المعوقات تقيد حدود التنازلات الضرورية للسلام. وهناك المعوقات البنيوية التي تتعلق بطبيعة النظام السياسي وطبيعة نظام الحكم في «إسرائيل» وهي طبيعة عدوانية عنصرية تقوم على التوسع والضم والتهويد. وفي السياق نفسه هناك دور الدين وتأثيره بالسلوك السياسي كما نرى في «إسرائيل» حيث سيطرة الحاخامات والأحزاب الدينية، ويلاحظ غلبة سمات الرفض وعدم القبول والتعايش والتسامح وتنامي روح الكراهية والعنصرية ضد الفلسطينيين.
هذه المعوقات تقف وراء غلبة الخيارات العسكرية والعنفية، ومن شأنها أن تقف حجر عثرة وعقبة كأداء أمام أي تنازلات تتطلبها عملية السلام، وإمكانية الوصول للحلول الوسط. العلاقة بين هذه المعوقات علاقة تكاملية تداخلية كل منها يقود للآخر. ولذلك عند الحديث عن السلام لا بد من التحييد المباشر لهذه المعوقات، والتركيز على مفاهيم العدالة وتثبيت الحقوق وذلك يحتاج لرؤية متكاملة للتغلب على مكونات هذه المعوقات وتفكيكها وهي غير متوفرة.
فهل تملك الإدارة الأمريكية الجديدة القدرة على إيجاد حلول لهذه المعوقات؟ أم تجد نفسها تغوص في دوامة هذا الصراع الممتد والمركب. وهل تقدر أن تحقق مبدأ التكافؤ في الحقوق؟تساؤلات يصعب الإجابة عنها.

drnagish@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى