قضايا ودراسات

عودة الحضارة إلى الغاب

هل تستطيع فرنسا أن تنضو عنها ثوب الديجولية؟ مبحث في منتهى الأهمية، وليت السماء تُنزل غيث الفهم على الأمة العربية. المفكرون الفرنسيون يتمثلون بقول امرئ القيس: «فسلي ثيابي من ثيابك تنسل»، مخاطبين الولايات المتحدة. مراجعة فاحصة وسبر أغوار وعقل ناقد، يعبر عنها الفيلسوف «ميشيل أونفري» في كتابه: «كيف أصبحنا أمريكيين؟»، أما الحوارات والندوات فكثيرة.
الموضوع إعادة تأسيس فكري: هل فقدت الحضارة معناها وتغيرت طبيعتها؟ علينا أن نرى الحقيقة الكامنة وراء التحولات الجذرية التي طرأت على الساحة الدولية في القرن العشرين وما تلاه. بعد الحرب العالمية الأولى تأهبت واشنطن للسيطرة على العالم، وكان لها ذلك، لكن هل تجلت في الهيمنة الأمريكية القيم الحضارية المألوفة عبر التاريخ؟ نعم، لقد نجحت في تغيير مفهوم الحضارة، جعلته مختلفاً تماماً، قائماً على قوة الرأسمالية المتغولة وحق القوة، الأخذ بالقوة والتدمير، عبر«الصدمة والترويع». أما العطاء فهو يعود أضعافاً مضاعفة إلى المصدر بطرائق شتى لا تخفى على الفطن اللبيب، خارج العالم العربي طبعاً.
في نظر المفكرين الفرنسيين، تغيير مفهوم الحضارة يتمثل في صورة الراعي وتعددية القطعان، تحويل البلدان إلى شركات خاصة، مجرد موارد ومصادر عوائد ودخل، ما لا يأتي طوعاً يجيء قسراً، ويهشم بذرائع القانون الدولي عبر إخضاع المنظمات الدولية، التي صارت تعمل ضد مبادئ تأسيسها، وتقزم نفسها بنفسها. الأنكى هو تهميش الفكر وتغييب المفكرين. من هم رواد الفكر الأمريكان، منذ العقد الثالث الماضي الذي تسيدت واشنطن العالم بعده؟ ما هي الأفكار الحضارية التي أثرت العالم وأثرت إيجابياً في الإنسانية بعد ذلك؟ صورة فخمة ضخمة غنية جبارة لما في العالم الثالث من الغطرسة المتخلفة وتغييب الفكر. الأسماء التي لمعت كلها ذات توجهات هدامة: برنارد لويس، هنتنجتون، فوكوياما، كيسنجر، برجنسكي إلخ. هؤلاء مفكرو جغرافيا سياسية واستراتيجية ومخططات جهنمية. ما خلا ذلك أسواق «فن» استهلاكي معولمة لا قيمة لها ثقافياً وفنياً وفكرياً وحضارياً. قس على ذلك عولمة الأغذية غير الصحية والعادات السيئة. وإثارة الفتن والحروب المفتعلة والاستهانة بمصاير عشرات الملايين. الحضارة صارت عرين أسود في السباسب. قانون غاب.
لكن، لا مساوئ تخلو من محاسن، فالرأسمالية المتغولة أهدت إلى البشرية شيوعية المعلومات الرقمية، أي انتشار الوعي، ومجانية الوصول إلى الكتب والفنون الرفيعة، ومناهل العلوم والبرمجيات، ما سيجعل الشعوب تعرف الفارق بين الحضارة واللاحضارة. في ذلك نشر غير مقصود لمبادئ الحق والعدل والجمال. صدق نيتشه: «ما لا يقتلني يقويني».
لزوم ما يلزم: النتيجة الفلسفية: القدوة السيئة توصل المرء إلى نتائج المقتدى به.
عبد اللطيف الزبيدي
abuzzabaed@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى