قضايا ودراسات

غزة..حصار ومؤامرات

بعد هزيمتها المدوية في حروب ثلاث، وتمريغ أنفها بالتراب، شرعت «إسرائيل» إلى اتباع أساليب جديدة لإخضاع غزة عبر اتخاذ حزمة من الإجراءات التعسفية بحقها، مطبقة الحصار التام عليها، متراجعة عن فكرة الحروب العسكرية في المرحلة الراهنة، بانتقالها للحرب المخابراتية والاقتصادية والحياتية الشاملة، حيث إن الكيان شرع مؤخراً إلى تشديد الحصار عبر جدار حصين يحيط بالقطاع، وقام ببناء مجموعة من النقاط العسكرية لمراقبة أي تحركات، إلى جانب توغله اليومي الهادف إلى إنشاء مناطق عازلة تسهل مراقبتها، لمنع عمليات تسلل من الممكن أن تتم. وبهذا تحيد «إسرائيل» سلاح المقاومة، ما عدا القوة الصاروخية، ولتجنب الصواريخ تمتنع عن إشعال الجبهة، وتكتفي بالحصار المطبق على غزة.
هذا على المستوى الأمني، أما فيما يتعلق بالجانب السياسي، فهي تحاول خلق وقائع جديدة على الأرض، من خلال دفع القطاع للاتجاه نحو مصر، ووضعه تحت وصاية القاهرة، وهي بذلك تبعد خطره عنها، وتتنصل في الوقت ذاته من تحمل مسؤوليات الحصار، كما تحقق مكسباً آخر ، هو إنهاء حلم الدولة الفلسطينية تماماً عبر إبعاد القطاع عن محيطه الفلسطيني، بالتزامن مع وضع الضفة الغربية تحت الوصاية الأردنية، في حالة أشبه بما قبل عام 1967.
«إسرائيل» بمكرها وخبثها تلعب على حبال عدة، وترسم المكائد المتتالية للشعب الفلسطيني وللشعوب العربية قاطبة، خاصة مصر والأردن، فهي تسعى دوماً إلى توريطهما، من خلال تحميلهما أعباء الفلسطينيين، عبر ضم أجزاء من فلسطين إليهما، أو حينما تقترح إنشاء وطن ودولة للفلسطينيين على أراضيهما، إلا أن العرب يدركون الحلم الذي يراود الاحتلال بتصفية القضية الفلسطينية، وسعيه الدؤوب لفرض حلول تقع تكلفتها على العرب، متنصلاً من دفع أي ثمن مقابل ذلك، إضافة إلى قيامه بوضع هاتين الدولتين تحت الأمر الواقع، في ظل التزامهما القومي والأخلاقي بعدم ترك الشعب الفلسطيني يواجه مصيره وحده.
الكيان يمارس بذاءة سياسية على الصعد كافة، فبعد فشله الأمني، يحاول الآن ممارسة سياسة منعدمة الأخلاق لمحاصرة الفلسطينيين ومحاربتهم في قوت يومهم ومصدر عيشهم، مستغلاً الظروف الإقليمية التي أبعدت القضية الفلسطينية عن المشهد السياسي، وجعلتها قضية هامشية لا يعبأ بها أحد بعد أن كانت قضية العرب الأولى، لكن وعي الشعب الفلسطيني وتمسكه بحقوقه رغم كل الظروف التي يمر بها، إلى جانب دعم الشعوب العربية، وإدراكها لكيد «إسرائيل» سيبدد أحلام الاحتلال، محيلاً إياها إلى أضغاث أحلام تؤرق الكيان الغاصب في حله وترحاله، فهذه المخططات لن تنطلي على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، مهما حاول الاحتلال .
غزة والضفة ستفشلان خيوط الكيان الواهنة بسواعد وقلوب رافضة لكل ما يحاك لهما من مؤامرات، والوعي العربي لن يسمح لهذه
الغمامة أن تظل جاثمة على صدره وصدر إخوانه الفلسطينيين، فلابد لليل الاحتلال أن ينجلي، ولا بد لقيده أن ينكسر، وهذا واقع لا محالة عندما تدعم السلطة قطاع غزة، وتمنع حصاره فتمده بكل ما يحتاج إليه وتكافح من أجل وصول تحويلات المرضى الذين يموتون ببطء، وتوقف في الوقت ذاته المساجلات التي لا طائل منها، وتمد يدها لخصومها من الأحزاب الأخرى، لتمنع بذلك أحفاد خيبر من تحقيق مآربهم، فتوقف عندئذٍ هذا الكيان الغاصب الذي ينهش الجسد الفلسطيني، ويسبح في دماء أبنائه.
علي قباجه
aliqabajah@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى