قضايا ودراسات

غزة والتهدئة والسلطة

يونس السيد

حدود الخلافات بين سلطة «حماس» في غزة والسلطة الفلسطينية في رام الله، لم تتوقف عند المصالحة الوطنية وآلياتها وشروطها المتبادلة، ما جعل إمكانية تحقيقها أشبه بالخيال العلمي، وإنما تطورت نحو المزيد من السوء، على نحو يجعل العلاقة بين الجانبين أقرب إلى علاقة الحرب، ويشي بأن إمكانية التفاهم بين كل منهما والاحتلال إمكانية أكثر واقعية.
هكذا، مع الأسف، هي حال الساحة الفلسطينية، التي تتجاذبها الأخطار الداخلية والخارجية، التي تهدد بتصفية القضية الوطنية، سواء عبر التسويات والصفقات الخارجية، أو عبر الصراع الداخلي، الذي يقود استمراره إلى ذات النتيجة.
في غزة، تتواتر التقارير الواردة عن ترتيبات إقليمية وأممية بشأن التوصل إلى اتفاق «تهدئة» مع الاحتلال، وتشير إلى بدء خطوات عملية في هذا الاتجاه؛ منعاً لانفجار الأوضاع في قطاع غزة، ومن بين تلك الخطوات التي وافقت عليها سلطات الاحتلال، تقوية التيار الكهربائي إلى 50 ميجاواط، كخطوة أولى لحل مشكلة الكهرباء كلياً، وتوسيع منطقة الصيد البحري 12 ميلاً ثم إلى 20 ميلاً، وإدخال المواد الصناعية الممنوعة، والسماح بتصدير البضائع بحُرّية، ومنح تصاريح لخمسة آلاف مواطن غزي للعمل داخل المناطق المحتلة عام 1948، إضافة إلى إقامة ممر مائي لقطاع غزة. وبالمقابل، تقوم سلطة «حماس» بوقف مسيرات العودة واقتحامات الحدود، والكف عن وضع العبوات الناسفة، وإطلاق البالونات الحارقة، والفعاليات الليلية، ومن ثم العودة إلى اتفاق التهدئة عام 2014. وتتحدث التقارير عن أن هذه الخطوات وردت في ورقة مكتوبة سلمها نائب الموفد الأممي للشرق الأوسط، جيمس ماك غولدريك إلى سلطة «حماس»، وبررت الأمم المتحدة تحركها في هذا الاتجاه بأنها كانت طوال الأشهر الماضية تربط تحسين الأوضاع في قطاع غزة بموافقة السلطة الفلسطينية، لكن رفض الأخيرة لكل الوساطات، دفع الأمم المتحدة إلى اتخاذ إجراءات، أولها إدخال الوقود إلى محطة توليد الكهرباء في غزة، والحصول على موافقة بتحويل 25 مليون دولار، منها 15 مليون دولار لرواتب الموظفين، وعشرة ملايين دولار لدعم الكهرباء.
وهذا ما أشعل جنون الغضب لدى السلطة الفلسطينية التي اعتبرت ذلك بمثابة «خط أحمر» وتجاوزاً لدورها في غزة، وينذر بفصل القطاع عن الضفة، وسارعت إلى اتخاذ خطوة عملية بالضغط على الشركة «الإسرائيلية» الموردة للوقود بفسخ العقد معها، ما لم تقم بوقف إدخاله إلى غزة على الفور، وهذا ما حدث بالفعل، خوفاً من تعرض الشركة لخسائر مادية كبيرة. كما رفعت السلطة شكوى للأمين العام للأمم المتحدة ضد مبعوثه نيكولاي ملادينوف، على الخلفية نفسها، متهمة إياه ب «لعب أدوار تمس الأمن القومي الفلسطيني ووحدة الشعب»، وجددت رفضها لوجوده؛ لكن يبدو أن الأمم المتحدة بصدد التعاقد مع شركات «إسرائيلية» أخرى لتوريد الوقود، ما يعني عملية التهدئة تسير قدماً بموافقة الاحتلال، وبالتالي فالخاسر في هذه المعركة قد يكون السلطة في رام الله، التي ستضطر إلى اتخاذ خطوات بالمقابل من بينها، كما يتردد، حل المجلس التشريعي، والعودة إلى التشدد في قضية المصالحة، ما يعني أن الخاسر الأكبر هو الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية في نهاية المطاف.

younis898@yahoo.com

زر الذهاب إلى الأعلى