قضايا ودراسات

فرصة الصين في مجال تغير المناخ

كلايف هاملتون
ربما تكون الفرصة الآن متاحة أمام الصين، للقيادة في العالم على جبهة تغير المناخ، مما يخدم خططها في مجال الطاقة المتجددة، وتصدير معداتها إلى مختلف أرجاء العالم.
أوضح لي أحد أبرز المحللين البيئيين في الصين في الآونة الأخيرة، أنه على الرغم من أن تغير المناخ كان يوصف بأنه مؤامرة غربية لكبح الصين، فإن الأمر برمته قد تغير منذ عام 2012. والتغلب على نزق الصين إزاء الخطط الاستعمارية الغربية، وإدخال الصين في خيمة المناخ الدولية، قد يُنظر إليه في المستقبل باعتباره أحد مواريث الرئيس أوباما الدائمة.
عندما تولى الرئيس «شي جين بينغ» زمام السلطة في أواخر عام 2012، سارع إلى إطلاق «ثورة الطاقة». فقد استجاب للدعوة إلى «حضارة إيكولوجية»، وأرسل رسالة مضمونها أن الفحم لن يكون محبذاً بعد الآن.
وبدأت حكومات المقاطعات، التي كانت تقاوم إملاءات بكين للحد من استعمال الفحم، تساق إلى الامتثال. ومع اكتساب «شي» مزيداً من السلطة، بتهميش خصومه أو اعتقالهم بسبب الفساد، صار العبث مع بكين يزداد خطورة. ولكن المقاطعات أيضاً تتحول مبتعدة عن الخضوع لهاجس الناتج المحلي الإجمالي، إلى زيادة التركيز على نوعية الحياة.
ومن المتوقع أن تبدأ المرحلة الأولى من سوق الكربون الوطنية في الصين هذا العام. وقد عزز اتفاق باريس ودور «شي» البناء فيه، من تأثير وزارة البيئة الصينية في المشادات البيروقراطية بدرجة كبيرة. ويشكل اتفاق باريس الآن ورقة قوية تلعبها، وأصبح دمج الإدارة البيئية في السياسة، الوضع «الطبيعي الجديد».
وقد تصَدَر استخدام الفحم الآن في الصين، ومن المتوقع أن يبلغ إجمالي الانبعاثات ذروته حوالي عام 2022-2023، أي قبل الموعد المقرر عام 2030 بموجب اتفاق باريس بوقت طويل. وخلافاً للولايات المتحدة، تأخذ الصين مساهمتها المستهدفة المقررة على المستوى الوطني بموجب اتفاق باريس على محمل الجد الشديد.
ويتوفر لدى بكين عدد من الدوافع لاتخاذ نهج قوي إزاء انبعاثات الكربون. وعلى رأس تلك الدوافع السخط الاجتماعي بسبب تلوث الهواء بنسبة مفزعة في المدن. وبدلاً من إغلاق محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم، كان يمكن خفض مستويات التلوث بشكل حاد، عن طريق تركيب أجهزة غسل الغاز فيها (كما هي الحال في الغرب)، مما يترك انبعاثات الكربون على حالها. ولكنْ، هنالك أسباب أخرى لخفض استهلاك الفحم.
وأحدها هو تقويض قاعدة السلطة لبعض المسؤولين الأشد فساداً في البلاد، أرباب قطاعات الفحم والكهرباء. والرئيس «شي»- خلافاً لمعظم قادة الصين- ليس تكنوقراطياً، وذلك يساعد في هذه الحالة.
وفي ما وراء هذه الأهداف المحلية، تستطيع قيادة الحزب أن ترى بُعداً عالمياً أكبر. فتعجيل تحول الصين إلى الطاقة منخفضة الكربون، يَعِد بإعطاء الصين هيمنة في مجال صناعات الطاقة المتجددة الناشئة، وهي الصناعات التي يُتوقع أن تشهد توسعاً هائلاً على مدى العقود القادمة مع تراجع إحراق الفحم والنفط. وهنالك فرص هائلة متاحة للدولة التي تفلح في أن تكون في الطليعة، والصين في طريقها إلى فعل ذلك بجدارة.
وقد تجد الشركات الأمريكية نفسها، مضطرة إلى أن تذهب إلى الصين لشراء معدات توليد الطاقة الخاصة بها.
ويقدم قرارا الانسحاب من اتفاق باريس لبكين فرصة ذهبية للاضطلاع بحمل لواء الريادة العالمية. والصين ماضية ببطء ومنهجية في ممارسة هذا الدور منذ سنوات، وعلى سبيل المثال، بتوسيع دورها في جهود الأمم المتحدة لحفظ السلام.
وهي تطرح نفسها باعتبارها البطل الجديد للتكامل الاقتصادي العالمي. وتخلي الولايات المتحدة عن الشراكة عبر المحيط الهادئ، التي كانت من خلال مزيد من التجارة ستعزز روابط الولايات المتحدة مع شرق وجنوب شرق آسيا، فتح للصين ثغرة تنفذ من خلالها. ومبادرة الحزام والطريق، خطوة نحو الزعامة الاقتصادية العالمية، التي سوف تنمو مع الانكفاء الأمريكي.
إن تغير المناخ يوفر للصين فرصة اكتساب شرعية واحترام جديدين باعتبارها زعيمة عالمية، مما يعوض الضرر الناجم عن تعدياتها في بحر الصين الجنوبي والكبت المتصاعد في الداخل.
إن انسحاب الولايات المتحدة من القيادة العالمية في تغير المناخ، ربما يكون فرصة جيدة للغاية لا يجوز تفويتها. وقد لا تكون هنالك طريقة أمام بكين لإثبات التزامها المزعوم لعالم يسوده السلام والازدهار- أفضل من توجيه المليارات من الدولارات التي وعدت بها بموجب «مبادرة حزام وطريق واحدة» نحو أنظمة الطاقة منخفضة الكربون في البلدان النامية. وقد تجد البلدان المتقدمة أيضاً، إغراء الأرباح الصينية، أقوى من أن تقاومه، وينتهي بها المطاف إلى بنى تحتية للطاقة موسومة بعبارة «صُنِع في الصين».

* أستاذ الأخلاقيات العامة، في مركز الفلسفة التطبيقية والأخلاقيات العامة، في جامعة تشارلس ستيرت (الأسترالية)
موقع: ذي كنفرسيشن


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى