فلسطين مسؤوليتنا الجماعية
محمد نورالدين
قال رئيس مركز أبحاث الأمن القومي «الإسرائيلي» عاموس يدلين، إن العرب، والفلسطينيين، والأتراك، يهددون بمسدس فارغ. الكلام هو بمناسبة اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لـ«دولة» «إسرائيل» ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس بشكل مبدئي.
في استعادة لمواقف الدول العربية والإسلامية منذ تأسيس الدولة الصهيونية نجد أنفسنا أمام مروحة واسعة لا تحيط بها بحار، أو محيطات، من مواقف وتهديدات وتحذيرات ضد الاحتلال، والاستيطان، والتهويد، بما فيها ضم القدس والجولان لأصل الدولة العبرية.
في العلاقة بين الاحتلال والخاضع للاحتلال تحكم قوانين دولية تحمّل المحتل مسؤوليات كبيرة. ومن المطالبة بتحرير كامل فلسطين، أي من النهر إلى البحر، إلى انسحاب من أراضي 1967 وصولاً إلى حل الدولتين، فحل الدولة الواحدة بأقلية فلسطينية أو حتى حل الترحيل وإقامة دولة فلسطينية في الأردن فضلاً عن منع اللاجئين من العودة، عناوين لا تنتهي.
كل ذلك من أجل حرف الأنظار عن جوهر القضية. وهي إنهاء الاحتلال حتى لا نصل إلى مطلب تحرير وتطهير كل فلسطين من البحر إلى النهر. والمسار الذي اتخذته القضية الفلسطينية منذ قرن كامل هو مسار التنازلات من جانب قادتها، ومن جانب أشقائها، ومن جانب إخوتها في الدين مسلمين ومسيحيين.
لم تكن القضية الفلسطينية عبارة عن هوامش وتفصيلات. كأن يعترف ترامب بالقدس عاصمة لدولة العدو، أو ينقل سفارته إليها. أليس الاستيطان في الضفة الغربية أهم من نقل سفارة؟ أليس النضال لكسر الحصار على غزة أجدى من الاعتراض على نقل سفارة؟ أليس توحيد الصف الفلسطيني أسمى من مجرد نقل سفارة؟ أليس الخروج في عملية تحرير شعبية وعسكرية هو الأفضل من نقل سفارة؟ أليس مواجهة المصالح الأمريكية والمؤيدة ل «إسرائيل» في الغرب أو الشرق، تحرك مشروع وأفعل من مجرد الاحتجاج؟
المشكلة ليست فقط في الأنظمة المعروفة بتخاذلها لنصرة القضية الفلسطينية. التطلع يكون دائماً للإنسان العربي وللشارع العربي الذي هو مصدر شرعية السلطات، ومصدر الحراك الثوري، والنضال العملي لتحرير فلسطين.
فلسطين كانت دائماً معياراً لفرز المواقف بين منصهر معها، وبين من يريد بيعها في سوق النخاسة. لم تعد فلسطين مجرد قضية خلافية بين الحركة اليهودية وبين الحركة القومية العربية والإسلامية. مجرد فتح باب نقاش حول شرعية الوجود اليهودي هو تنازل عن جوهر القضية.
ولا يفترض أن يكون استخدام القوة الغاشمة من جانب العدو وبدعم أمريكي هائل سبباً في التراجع عن الأهداف، أو التحركات. لا يمكن لفلسطين أن تتحرر بالمفاوضات. مع كل يوم يمر تستقطع قطعة من الأرض، أو يذوب جزء من الهوية، أو يدمر جانب من وعينا، وإرثنا.
لم تعد تكفي كل التصريحات والاحتجاجات لتحرير فلسطين. ولم نعد بحاجة إلى تسطير الأبحاث والتحليلات ورسم الاستراتيجيات.
بعد الآن، ليس من استراتيجية سوى واحدة وهي استراتيجية التحرير العسكرية والشعبية. وحدها هذه تكون عصية على الإمساك، أو الاحتواء. معظم التغييرات الجذرية عبر التاريخ حصلت بالقوة. و«إسرائيل» العمود الفقري لاستراتيجياتها هو استخدام العنف والإرهاب. والمقاومة الشعبية والعسكرية وحدها التي يمكن أن تواجه هذه العقلية وتهزمها. وبعد تجربة اتفاق أوسلو وكيف تراجع زخم القضية كان واضحاً أن الثورة لا يمكن أن تمشي جنباً إلى جنب مع الدولة. في فترة الاحتلال ستكون خطيئة أن تحكم أرضاً محتلة، وتوهم الناس أن الاحتلال لا يؤثر. السلطة تستدعي كل مغريات الفساد والتراخي والتبعية. السلطة تجعل البندقية تصدأ فتخون الدور الذي من أجله صنعت. السلطة تستدعي المكاسب وتنادي الفتنة، وتستنزف المقدرات، والجهود.
وفي ظل الدولة يسهل الإمساك من الخارج برقبة الثورة. في ظل التخاذل ضاعت فلسطين 1948، وفي ظل الخطاب الأجوف ضاعت أراضي 1967، وفي ظل انحراف البوصلة تتقلص مساحة أرض الثورة وهويتها. حتى الأمل يكاد يتبخر. لا ثورة إذاً، في ظل الدولة.
تعب العرب، تعب المسلمون، رغم أنهم جميعاً لم يكونوا جدّيين مرة واحدة لكي يتعبوا. ورغم كل شيء فهي مسؤولية الفلسطينيين أولاً، والعرب ثانياً، والمسلمين ثالثاً. فليهدم الفلسطينيون دولتهم المزيفة ويعودوا إلى ثورتهم، ليس باللحم العاري كما نتفلسف، بل بالقوة. وليكن العرب والمسلمون يداً واحدة تمسك بالسلاح وتهدد المصالح المعادية. ليس العدو هو الأقوى. قوة العدو ليست من ضعف ثرواتنا وقلة سلاحنا، بل من ضعف إرادتنا.
لا تذهبوا أيها الفلسطينيون إلى انتفاضات موسمية. ولا تستعجلوا أيها العرب والمسلمون عقد مؤتمرات قمم فارغة. وحدها القوة هي التي تعيد فلسطين كل فلسطين، ولو اجتمع العالم ضدنا. فلا تجزعوا، ولا تتخاذلوا، ولا يرذلكم التاريخ، فلا يزال هناك ما تفعلونه، وتنقذونه.