مقالات عامة

فلسطين ومفهوم القوة الشاملة

د. ناجي صادق شراب

السؤال الغائب في نضال الشعب الفلسطيني من أجل التحرر السياسي وقيام دولة تعبر عن هويتهم الوطنية، التاريخية، والحضارية هو ماذا يملك الفلسطينيون من عناصر القوة الشاملة في زمن تحكمه القوة ونظرياتها المتعددة؟ ولا نذهب بعيداً عن الحقيقة إذا قلنا إن أحد أسباب عدم تحقيق هذا الهدف الوطني، هو عدم وجود تصور شامل لعناصر القوة الشاملة، في إطار من الرؤية والاستراتيجية الوطنية الوضحة الأهداف، والآليات الموصلة إليها، وهو ما يعني أنه وعلى طوال سنوات القضية التي تزيد على سبعين عاماً كانت هناك حالة من بعثرة القوة وتشتتها وتناثرها بعيداً عن الجسم السياسي، الذي يحولها لقرارات سياسية مؤثرة وفاعلة على مستويات القضية المتعددة.
تعرف القوة بالقدرة أو التأثير في السلوك السياسي للفاعل الدولي الآخر أو الفواعل الدولية، بما يتوافق والمصلحة الوطنية الفلسطينية العليا، وهنا يفترض أن هذا الهدف فلسطينياً يتجسد بالدولة الفلسطينية الكاملة السيادة على أراضيها، وهذا الهدف لم يتحقق حتى الآن. وبمعايير الفشل والنجاح يعتبر فشلاً جزئياً للقرار الفلسطيني، هذا على الرغم من أن الفلسطينيين نجحوا في انتزاع الاعتراف الدولي بفلسطين كدولة مراقب في الأمم المتحدة، ورفع علمها بين أعلام الدول المستقلة ونجاحهم في صدور العديد من القرارات الأممية المؤيدة لحقهم في تقرير المصير. وفي تصنيفات القوة تقسم القوة اليوم إلى قوة صلبة وقوة ناعمة وقوة ذكية، وهناك من يتحدث عن القوة الحادة. فالقوة الصلبة تشتمل على عنصرين أساسيين هما القوة العسكرية مجسدة بالجيش وعدده، وبالأسلحة المتطورة بكل أشكالها، ومواكبة التطور الكبير في الثورة التكنولوجية العسكرية. والعنصر الثاني يتمثل في القدرة الاقتصادية وما تملكه من موارد، وهما عنصران ليسا متوفرين. وهناك جانب آخر للقوة الصلبة فيما تملكه جماعات المقاومة من أسلحة غير معلومة، ولكنها تفتقد للإطار السياسي المنظم. وهذا ما يدفعنا للقول إن الفلسطينيين لا يملكون القوة الصلبة وهي من أساس القوة الشاملة. ويبقى الشكل الآخر وهو القوة الناعمة، وعلى أهمية هذا الشكل من القوة وتأثيره، وعدم خضوعه لنفس القيود والضغوطات التي تمارس على القوة الصلبة، أيضاً يمكن القول ابتداء إن هناك الكثير من مظاهر القوة الناعمة فلسطينياً، وهناك تطور ملحوظ ونوعي فيها، لكنها تتسم أيضاً بضعف الإمكانات.
وتنمية القوة الناعمة مسؤولية وطنية، وهي من مسؤولية وزارة الثقافة التي يفترض أن تولي أشكال القوة الناعمة أهمية أكبر.
والسؤال مجدداً ما عناصر القوة الصلبة التي يملكها الفلسطينيون؟ أبادر إلى القول إنه العنصر السكاني، هذا العنصر الذي نجح فيه الفلسطينيون في الحفاظ على هويتهم، ولا يقتصر العنصر السكاني على العدد -على أهميته في الحالة الفلسطينية- فاليوم نتحدث فقط في داخل الأراضي الفلسطينية عما يزيد على خمسة ملايين نسمة، ولو أضفنا إليهم الذين يعيشون في داخل أراضي ال 48 ويحملون الهوية «الإسرائيلية» لكنهم لم يفقدوا هويتهم الوطنية، فقد يقارب العدد السبعة ملايين نسمة، ولو أضفنا إلى هؤلاء من يعيشون في المخيمات والشتات فالرقم قد يصل ل12 مليوناً. وأهمية هذا العنصر وخصوصاً بالداخل أنه في النهاية سيفرض الحل السياسي على «إسرائيل»، ويجعلها أمام خيارين الدولة الواحدة، أو حل الدولتين. وهذا الشعب هو الذي أنكرت جولدا مائير يوماً وجوده. لكن هذا العنصر يحتاج إلى رؤية وطنية شاملة للحفاظ على فاعليته، وتمكين وجوده على أرضه. وأما عنصر القوة الآخر الذي لا يسقط بالتقادم، ولا بالاحتلال، فهو قوة الشرعية الدولية، والقرارات ذات الصلة التي صدرت عن الأمم المتحدة، ومن أبرزها القرار 181لعام 1947 الخاص بتقسيم فلسطين، والإقرار بوجود دولة عربية، والقرار الخاص بعودة اللاجئين رقم 194، والعديد من القرارات التي تؤكد حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وقيام دولتهم، وبطلان كل الإجراءات والسياسات التي قامت بها «إسرائيل» في الأراضي الفلسطينية.
لتفعيل كل ذلك نحتاج إلى نظام سياسي ديموقراطي تعددي، وإلى إطار مؤسساتي فاعل، وإلى قيادة سياسية تعمل في إطار برنامج وطني نضالي تحرري طويل الأمد، وخيارات سياسية واضحة.

drnagish@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى