فهمنا للذكاء ضيق جداً
شيماء المرزوقي
ظلت الكثير من الآراء والكشوف في مجال الذكاء البشري غير مؤكد بشكل نهائي، ورغم السيل الكبير من الدراسات والبحوث التي قدمت في هذا المجال إلا أننا لازلنا نرصد بين وقت وآخر تجاوزاً أو اختراقاً لما كان يعتبر حقيقة ثابتة. على سبيل المثال، يمكن من خلال إحدى الدراسات ووفق مؤشرات محددة الحكم على شخص بأنه يتمتع بذكاء فائق، ورغم هذا ستجده يفشل في بعض الجوانب الحياتية. وفي تاريخنا البشري الكثير من القصص عن علماء وعظماء ألهموا البشرية بالكثير من المبتكرات والمنجزات وكان ينظر لهم في مقتبل حياتهم بأنهم أغبياء ولا يتمتعون بأي استعداد للتعلم، والقصص في هذا المجال متواترة. لا شك أن هناك تبايناً في القدرات العقلية بين فرد وآخر، ولكنني مؤمنة بأن أي إنسان يتفوق على آخر في الذكاء لابد أن تجد لديه ضعفاً في جانب آخر.
إن درجات قياس الذكاء ورغم أنها نتائج لمسيرة علمية طويلة في هذا الحقل وهي تراكم لخبرات عديدة، تبقى غير حتمية أو غير مثبتة بشكل تام، وقد قسم العلماء درجات الذكاء إلى عدة مستويات، وآخرون وضعوا أقساماً لكل نوع، ويفترض أننا ننتمي لمثل هذه الأقسام أو نقع في إحدى هذه الدرجات، وهذا ليس دقيقاً لأننا نلاحظ أنه يتم تصنيف البعض بأنه يتمتع بقوى عقلية كبيرة على سبيل المثال في حل المعادلات الرياضية، ولكنك تجده متواضعاً جداً أو أن مستواه متدنٍ في مجال التاريخ البشري أو علم الاجتماع أو النفس ونحوها.
ويوجد جانب آخر، قد تجد عبقرياً في مجال علوم الطيران ويتمتع ببراعة فائقة في هذا المجال لكنك وبمجرد إدخاله إلى غرفة العمليات لإجراء عملية جراحية ستجده عاجزاً تماماً، والعكس أيضاً صحيح لو أحضرت طبيباً عبقرياً ومتميزاً في مجاله الطبي ليقود طائرة، حتى ولو أخضعته للدراسة والتعلم، فقد يكون مستواه متواضعاً أو عادياً، وهذا يبرهن أن الإنسان قد يتميز ذهنياً في مجال ما، ويصنف بأنه عبقري فيه، لكنه في مجالات أخرى يحتاج لدراسة وتعليم ليبدع ويتطور، بمعنى أن يجمع كل هذه الصفات والأقسام وليس درجة واحدة، وهذا يجعلنا نقول بأن فهمنا قد يكون غير دقيق لطبيعة العقل البشري، رغم أن البشرية اليوم تدخل لحقبة الذكاء والعقل الصناعي. وكما قال العالم المتخصص في علم النفس الدكتور هوارد جاردنر: «إنَّ فهمنا للذكاء قد يكون ضيقاً جداً».
Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com