فهم الأزمات أول الحل
عبداللطيف الزبيدي
هل يحتاج العالم العربي إلى مفاتيح وعي جديدة لفتح مغلقات واقعه؟ أمس، تناول القلم أحداث السترات الصفراء من زاوية المؤشرات. مجرد مناوشة لا طرح. لكن النخب الفرنسية في الفكر والإعلام، ترينا كعرب، مدى اختزالنا الأحداث، جرّاء غياب البحث العلمي في مضاربنا، لهذا هي دائماً مضروبة، مفعمة بالتضارب، ساحات مفتوحة للمضاربات، وهلم اشتقاقاً.
بالتوازي مع خراطيم المياه والغازات المسيلة للدموع، هبّ أهل الفلسفة وعلوم الاجتماع والنفس والسياسة والاقتصاد، وفتحت لهم وسائط الإعلام، صحافة وإذاعة وتلفزيوناً، الأبواب على مصاريعها، ففرنسا كلها تريد أن تفهم: في القضايا الوطنية المصيرية الحساسة، لا يوجد كبير وصغير. حين تهتف الحشود عند قوس النصر وعلى طول الشانزيليزيه، الشارع الرمز: «ماكرون،استقل»، فذلك دليل نذير بوجود مسار يجب تصحيحه. النظام العربي يلقي باللائمة على المتظاهرين بعبارات سهلة يسيرة: «شرذمة من المأجورين»، «خونة مرتزقة»، «عملاء للأجنبي»، «مؤامرة تنفذها عناصر مدسوسة». الإعلام الفرنسي استغاث الأدمغة الكبيرة الخبيرة بهذه الأمور. في الصدارة، عالم الاجتماع الفيلسوف جان بيير لو جوف، الذي له مؤلفات لها أصوات وأصداء في مايو 68، اليسار، الديمقراطية، وخصوصاً ضرورة تحديث جوهر التربية والتعليم لتحقيق التغيير الإيجابي. تعليقه الفوري المبدئي: «السترات الصفراء، هي انتقام أولئك الذين وصفناهم بأنهم حثالات جوفاء». كتابه «البربرية الناعمة» صدر سنة 1999، وأعيد طبعه 2003. الآن عاد إلى الواجهة، وكأنهم شعروا بأنهم لم يحسنوا قراءة نظراته الاستشرافية من قبل. هي ذي عناوين بعض فصوله وليتنا نعي أبعادها في الوقت والساعة: يحذر من «تجريد العمل من إنسانيته»، «نحو المدرسة اللاعنفية»، «إعادة تأسيس المدرسة لتجنب الحرب الأهلية»، «أي مواطنة»(نريد)؟ «كيف وصلنا إلى هنا؟ جذور البربرية الناعمة، «تأهيل المدرسة لخدمة التحديث»،«انعدام التماسك»، «بحثاً عن حركة اجتماعية جديدة». الفصل الأخير طريف في تجلياته، لأنه برهان على أن المجتمع الذي يرفض التحول الإيجابي ويفضل التمسك بالثبات الساكن الراكد، تفاجئه العواصف من حيث لا يدري.
لزوم ما يلزم: النتيجة الإزعاجية: في فرنسا فاجأتهم العاصفة فهبّوا للفهم، العقل العربي لا يحرك ساكناً حتى لو نزلت قطرات المطر كجلمود امرئ القيس.
abuzzabaed@gmail.com