فورة معلومات.. ولكن
د. حسن مدن
حسناً، نحن في عصر ثورة المعلومات وفورتها أيضاً. لا سبيل للجدال حول هذه الحقيقة، فلم يسبق في العصور السابقة أن تيسرت كل هذه الطرق والوسائط لتدفق المعلومات، التي لم يعد ضرورياً أن نبذل الجهود الكبيرة التي كانت لازمة فيما سبق للوصول إليها.
وإضافة إلى وسائل الإعلام التي باتت توصف بالتقليدية كالصحف المطبوعة والتلفزيون والإذاعة، رغم أنه لم يمض على أعمارها الكثير، منظوراً للأمر من طول التاريخ البشري السابق لنشأتها أو اكتشافها، هناك وسائل الاتصال الحديثة التي تعرف بوسائل الاتصال الاجتماعي، التي باتت منافساً جدياً للوسائل التقليدية للاتصال، بل إنها تتفوق عليها، على الأقل في سرعة الانتشار، أشواطاً كبيرة.
لكن هذه الثورة وهذه الفورة تطرحان تحديات جديدة، أو تضيفان إضافات جدية على تحديات كانت قائمة قبلهما، لكنها لم تكن بالحدة التي بلغتها، بسببهما، اليوم. وفي مقدمة هذه التحديات مدى صدقية المعلومات التي تبث عبر هذه الوسائط، وتنتشر بسرعة انتشار النار في الهشيم حسب التعبير الشائع.
صحيح أن مسألة الصدقية كانت مطروحة دائماً، فليست كل الصحف صادقة دائما، وليس كل ماتنشره البعض منها بريئاً ، وهذا ينطبق على التلفزيون والإذاعة، فكل هذه الأجهزة ناطقة إما باسم حكومات وسلطات سياسية معنية بإيصال الرسائل الإعلامية التي تخدم توطيد سلطتها، أو أنها ناطقة باسم مصالح مراكز قوى اقتصادية ومالية مؤثرة تحرص على أن تكون لها أذرعها أو عضلاتها الإعلامية، أو باسم لوبيات وقوى سياسية ومجتمعية معنية بالترويج لما يلائمها، والذي لا يلائمها لا يعني، بالضرورة، أنه هو الحقيقة نفسها، فقد لا يغدو كونه جزءاً من هذه الحقيقة، أو حتى نقيضاً لها.
رغم ذلك، فإن الوسائل التقليدية كانت محمولة على الالتزام، أو حتى الانصياع، لضوابط وتشريعات تنظم عملها، فمهما كانت درجة ذرائعية من يقف وراء هذه الوسائط أو يحرر مادتها، فإن الأيدي هنا ليست طليقة في قول أو نشر كل ما يخطر على البال، دون درجات كافية من التحقق من صحة ذلك، أو عدم الاكتفاء برأي واحد أو مصدر واحد للمعلومة، حيث يتعين التحقق من المعلومة من عدة زوايا ومصادر.
بالنسبة لوسائل الاتصال الحديثة التي يمكن أن تكون في عهدة جهات أو أشخاص «مجهولين»، أي لا يفصحون علانية عن هوياتهم، ولم يعد سهلاً الوصول إليهم، ببث معلومات خاطئة أو غير دقيقة أو رسائل مغرضة تنتشر على أوسع النطاقات، وتُشكل الرأي العام في وجهة محددة، خاصة أن هذا الرأي العام يتميز بالهشاشة، ما يجعله قابلاً للتشكيل وفق الأهواء المراد تكييفه بموجبها.
الناس، من ذوي الوعي الاعتيادي اليومي ميّالون لتصديق ما ينتشر، ويجري تداوله على نطاق واسع، وليس لديهم لا الوقت ولا الرغبة في التحقق من مدى صحته.
madanbahrain@gmail.com