قضايا ودراسات

قطر بين «تنظيم الدولة» والتنظيم الدولي

كمال بالهادي
بإعلان الحكومة العراقية انتصارها في مدينة الموصل والقضاء على تنظيم «داعش» فيها، يكون العراق والعالم قد كسبا معركة مهمة من المعارك ضد التنظيمات الإرهابية، ولكن الحرب مازالت طويلة، لأن جذور الفكر الإرهابي لن تُمحى بسهولة مادامت هناك دول راعية وتنظيمات قائمة، وتمويلات تأتي من كل حدب وصوب، وما دمنا، نحن العرب، نوظف التكنولوجيا لتدمير عقول الشباب، ولتدمير ما بنته الدولة الوطنية منذ الاستقلال إلى الآن.
خطوة تحرير الموصل، لها ما بعدها. لأن الأنظار ستتجه الآن إلى مدينة الرقة، حيث يواجه التنظيم الإرهابي حصاراً قاتلاً من التحالف الدولي، ومن قوات سوريا الديمقراطية. والتحولات المتسارعة، ستكشف حجم الخراب النفسي والاجتماعي، والمادي الذي خلّفه تتار العصر. تحرير الموصل هو انتصار معنوي كبير على شبح، استطاع أن يختزل كل العنف الإنساني، وكل الرعب والآلام والدمار. ولهذا فإن مسارعة رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، إلى إعلان النصر في الموصل قبل انتهاء العمليات فعلياً، هي خطوة معنوية لإعادة الثقة في النفس، ولإعادة رسم صورة الإنسان العربي، الذي هو مختلف تمام الاختلاف عن «داعش» ومشتقاته، وعن «داعش» وجذورها الإخوانية.
الموصل لها ما قبلها، ولها ما بعدها أيضاً، سقوطها كان إعلان بداية هجمة وحشية، ضربت كل مكان من العالم، وتأذى منها المسلمون أكثر من غيرهم من الديانات أو العرقيات. المسلمون هم من تضرروا على جميع المستويات من هذا التنظيم الإرهابي الذي تصفه قناة الجزيرة ب «تنظيم الدولة»، وكأنها تتفاخر به وتعلي من شأنه. تبين أنه مجرد قزم ضخّمته الآلة الإعلامية القطرية ومشتقاتها، لتصنع منه بعبعاً، استطاع النيل من المنطقة برمتها، ولكنّه يتحول الآن إلى مزبلة التاريخ، حيث سيقع ذكره، بكونه إحدى أسوأ الفترات التاريخية التي شهدها العرب في عصرهم الراهن. ستظل المناوشات مع بقايا هذا التنظيم، مسألة وقت، لأنه يمثل جسماً غريباً، وقد أزف أجله.
لكن السؤال المطروح في هذه المرحلة، التنظيم ينتهي هيكلياً وعسكرياً، وسيستخدم كل الوسائل من أجل تجنيد الأشخاص وتكليفهم المهمات القذرة، وتجفيف منابع التنظيم المالية ستجعل مقاتليه يفكرون في الهرب من بؤر القتال إلى أماكن أكثر أمناً، وإلى دول رعتهم، وتكفلت تجنيدهم. وهذا يعني أن الفكر الإرهابي سيستمرّ في الانتشار، ما لم يتم إغلاق كل المنابر التي تشيد بهذه التنظيمات، والتي تروج لفكرها.
يجب ألّا نأمن لحاملي هذه الأفكار الهدامة. فالقاعدة الرئيسية لهذا الفكر مازالت قائمة، وهي التي شرعت استخدام العنف ضد الدولة الوطنية، منذ منتصف القرن العشرين.
نتحدث هنا عن الفكر الإخواني، الذي ترعاه قطر وتركيا، في هذه المرحلة الحالية. وهما مستعدتان للدفاع عن هذا الفكر، بكل الوسائل، بما في ذلك الوسائل العسكرية. وليست القاعدة التركية في الدوحة سوى إعلان حرب على الدول العربية، تقودها تركيا الأردوغانية، والتي هي فرع من التنظيم الدولي ل «الإخوان المسلمين». التحالف القطري – التركي هو تحالف إخواني بامتياز، يهدف إلى حماية عاصمة التنظيم، ويدافع عن استمرار هذا الفكر الذي تجاوزته الأحداث، وتجاوزته النظم السياسية.
فالفكر الإخواني هو مجرد «اجتهادات بشرية»، وليس كتاباً مقدساً، هو قدر على البشرية وعلى المواطن العربي خصوصاً. لكن الخطر في ما يحدث الآن، هو أن هذا التحالف القطري التركي، وكأنه يرسل رسالة إلى الدول العربية، مضمونها أنه إذا سقط «تنظيم الدولة» في العراق وسوريا، فإنّ التنظيم الدولي قائم، وله من القوة ما يمكنه من المواجهة، ومن الدخول في حرب لا تُعرف لها نهاية، إن انزلقت إليها المنطقة.
سقط «تنظيم الدولة» وبقي «التنظيم الدولي»، هو الأخطر، لأنه يمثل المرجعية الفكرية، لكل هذه الكيانات الإرهابية المتفرعة عن بعضها البعض، والمتولدة مثل الأورام السرطانية. والمعركة يجب أن تتجه الآن إلى التصدي لهذا الفكر الذي أعاق كثيراً محاولات التقدم العربية، على أخطائها الكثيرة، والقاتلة أيضاً. لقد خسرنا وقتاً كثيراً في هذا الصراع بين الديني والمدني، والحقيقة أن الدين في جوهره، وفي رسالته السامية هو رسالة حياة لا رسالة موت ودمار.
إن نهاية «تنظيم الدولة» الإرهابي، يجب أن ترافقها عملية فكرية شاملة، لتؤسس لمنهج حياة بعيد، يخرجنا من بوتقة هذا الصراع مع التنظيم الدولي. إنهم في نهاية المطاف مجرد أشخاص، من مستوى تعليمي محدود جداً، إن قلنا إن أغلبهم أميون، يقع استقطابهم، لأنهم لا يملكون ملكة النقد والتفكير، لذلك يجب نزع القداسة عنهم، وتجب مواجهتهم بمشاريع فكرية، وخطوات ديمقراطية حقيقية، تسحب من تحتهم بساط صورة «الضحية» والمظلومية التي يجاهدون للتخفي وراءها. ومن دون هذه الخطوات سيلد «التنظيم الدولي»، مئات «تنظيم الدولة»، وستعود العقرب إلى اللدغ في كل الأمكنة.

belhedi18@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى