قضايا ودراسات

قطر والعلاج بالكي

صادق ناشر

الإجراءات الاضطرارية التي اتخذتها دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، فضلاً عن مصر واليمن وليبيا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع دولة قطر، كانت بمثابة خيار الضرورة، لمواجهة السياسة التي اتبعتها القيادة القطرية منذ سنوات عدة والتي أضرت بمحيطها الإقليمي والعربي وفتحت أبواب الإرهاب على مصراعيه لينشط في كل مكان مستهدفاً دولاً ومجتمعات بأسرها.
كانت الدوحة ولاتزال تدرك أن معركة دول مجلس التعاون الخليجي مع الإرهاب معركة مصيرية، كما هو الحال في معركتها مع إيران، التي تحاول بقدر الإمكان استغلال الخلاف الخليجي الخليجي للنفاذ منه واستغلاله لإحداث مزيد من الممارسات الرامية إلى نسف الاستقرار في الجسم الخليجي، بخاصة بعد أن شخصت قمة الرياض التي عقدت مؤخراً مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الوضع في المنطقة وصنفت إيران بالدولة الراعية للإرهاب.
استقرار دول مجلس التعاون الخليجي أولوية قصوى يحرص أعضاء المجلس على التعاون لتحقيقها، لكن مع الأسف فإن الملاحظات التي كانت تبديها دول المجلس بشأن ذلك لم تجد الاهتمام الكافي من قبل دولة قطر، وصانعي القرار السياسي فيها، حيث استمرت في الابتعاد تدريجياً عن المواقف الجمعية لدول المجلس.
القرارات الأخيرة التي اتخذت من قبل ثلاث دول مؤثرة في مجلس التعاون بقطع علاقتها الدبلوماسية مع قطر، وما رافقها من إجراءات إضافية تجارية وسياحية، بما فيها وقف خطوط الطيران وإغلاق المنافذ البرية والبحرية، جاءت كملاذ أخير، وهو بمثابة العلاج بالكي، بعد أن استنفدت هذه الدول ومعها مصر، كل الحلول لإعادة القرار السياسي القطري إلى وضعه الطبيعي، وكانت مؤشرات ذلك في عام 2014 عندما تم سحب سفراء عدد من الدول الخليجية من الدوحة، قبل إعادتهم من جديد بعد وساطات توصلت إلى تفاهمات لم تلتزم بها الدوحة مع الأسف.
كيف يمكن للدوحة أن تعالج هذا التطور الجديد، الذي نشأ مؤخراً؟ لا شك أن هناك رغبة خليجية في أن يكون مجلس التعاون كتلة سياسية واحدة، كما هو حال دوله كتلة جغرافية واحدة، ولكن ذلك لن يتحقق إلا إذا أعادت الدوحة حساباتها في التعاطي مع الأوضاع برمتها، بخاصة ما يتصل بتطمين أشقائها في دول مجلس التعاون من أن أمنها غير قابل للمساومة وأن الوقت قد حان لتغيير السياسات الحالية للدوحة على أن تكون قائمة على الصراحة والمكاشفة ووضع مصالح مجلس التعاون فوق كل اعتبار.
لن يكون مجلس التعاون الخليجي فاعلاً، ما لم يكن هناك انسجام سياسي بين أعضائه، وقد عانى المجلس خلال السنوات القليلة الماضية الكثير من المتاعب نتيجة للسياسات التي تتبعها الدوحة وخروجها في الكثير من الأحيان عن الإجماع، ما شكل بيئة خصبة لمحاولة أطراف إقليمية لإحداث شرخ في البيت الخليجي الواحد، كما هو واضح في مواقف إيران التي تحاول بكل إمكانياتها تعميق الخلافات واستغلال تغريد قطر خارج سرب المجلس لتنال من وحدته وإدخاله في أزمات لا نهاية لها.

sadeqnasher8@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى