قضايا ودراسات

قمة وأجواء حرب

مفتاح شعيب

كان اللقاء الأول بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين «رائعاً» بحسب مشاعر الرئيس الأمريكي، بينما اعتبرت وسائل الإعلام الروسية المقربة من الكرملين بأن اللقاء كان «نصراً» لموسكو في قمة العشرين، في حين انقسمت المواقف الأخرى بين مرحب وحذر، ذلك أن ما يصدر عن مثل هذه اللقاءات لا يعبر بالضروة عما جرى فعلاً تداوله وتم إقراره.
القمة بين الرئيسين الأمريكي والروسي تشكل حدثاً في حد ذاته، والمصافحة بين ترامب وبوتين ظل العالم ينتظرها منذ أشهر، لأنهما يرأسان القوتين الأعظمين، وكل توافق أو اختلاف بينهما سينعكس مباشرة على المجتمع الدولي برمته، ففي هذا اللقاء تم الحديث عن الأزمة السورية والوضع في الشرق الأوسط والحالة الأوكرانية والعلاقة بين موسكو والغرب والمزاعم عن التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وكلها ملفات عالقة بين البلدين وينتظر كل منها حسماً مشتركاً للانتقال إلى المرحلة اللاحقة.
والظاهر أن شيئاً من التوافق قد تم بالإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار في جنوب غربي سوريا، والاستعداد لبحث خطوات لتخفيف التوتر في القضية الأوكرانية. أما ما هو متأكد فالنتائج لن تكون فورية، بل ستتلقفها اللجان المشتركة وخطوط التنسيق والآليات الدبلوماسية بالتعاون مع بقية الفاعلين الدوليين، فبالنسبة إلى ترامب لديه الشركاء الأوروبيون وحلف شمال الأطلسي، وهذان الطرفان أثبتا أنهما مختلفان مع الطرفين الروسي والأمريكي، وخصوصاً مع الأخير، فلم يسلم الأوروبيون للبيت الأبيض بكل مقارباته، مما جعله يعدل الكثير منها للحفاظ على التوازن في المعسكر الغربي، ولا يبدو أن ذلك متحققاً بما يكفي للحفاظ على التماسك في وجه التحديات والتهديدات المختلفة.
الثابت أن لقاء ترامب وبوتين كسر حاجزاً نفسياً بين الرجلين بسبب ما يشاع عن تدخل روسي محتمل في فوز ترامب برئاسة البيت الأبيض، على الرغم من التوافق الشخصي بين الإثنين، وهو ما تم التعبير عنه بصيغ عديدة. والنقطة الثانية التي حققها اللقاء، فهي توجيهه ضربة إلى معارضي الرئيس الأمريكي في الولايات المتحدة، فالأطراف، التي مازالت تتحامل على فوز ترامب وغير مقتنعة به، أحرجها اللقاء وربما يؤكد لها الفشل في معركتها أمام الرئيس وأنصاره، لا سيما بعد أن أصبحت فرضية التدخل الروسي قضية رأي عام واستقرت في كواليس الكونجرس والقضاء والاستخبارات.
المتابعون للسياسة الدولية يؤكدون أن العلاقة بين موسكو وواشنطن وبقية الغرب ليست على ما يرام، والثقة التي كانت قائمة قبل سنوات قليلة تآكلت بسبب الشحن الإعلامي والتبرم والضيق من السياسات الروسية «المتمردة»، والجانبان أصبحا ينظران إلى بعضهما بعين الصراع بين الشرق والغرب، ومن حين إلى آخر يجري اتباع أساليب من سياسات الحرب الباردة. ففي طريقه إلى قمة العشرين في هامبورج الألمانية، غير بوتين مسار طائرته ولم يحلق في أجواء البلدان المنتمية إلى حلف «الناتو»، واكتفى الكرملين بتعليل هذا التغيير بالقول «إن أمن الرئيس خلال السفر مهم للغاية»، أما في الدلالة فتعني هذه التدابير الكثير، لأنها ليست بسيطة وتتخذ في الأصل في حالات الحرب والتوتر، وبما أن الحرب ليست قائمة بين روسيا والغرب، فإن أجواءها ستكون قاسية إذا استمرت على هذا النحو، ولم تنفتح صفحة جديدة لخير الطرفين والعالم بأسره.

chouaibmeftah@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى