مقالات اجتماعية

كتابة الأملاك للبنات

محمود خليل

أفتى الشيخ على جمعة، مفتى الديار المصرية السابق، بجواز أن يكتب الأب كل أملاكه لبناته قبل الوفاة، واتفق معه فى الفتوى الدكتور أحمد كريمة.. بعدها خرج الدكتور مبروك عطية بفتوى نقيضة تقول: كتابة المواريث قبل الوفاة هتودى فى داهية!.. من يصدق الناس جمعة أم عطية؟

قديماً قيل اختلافهم رحمة، فماذا إذا كان أخذ الأمر شكل التضارب كما هو الحال فى فتوى «جمعة/كريمة» و«عطية».

الشيخ على جمعة أقر بحق الأب فى كتابة أملاكه لبناته، بشرط ألا يكون فى نيته حرمان إخوته من الميراث، لأن هذه النية حرام.. والدكتور مبروك عطية أنكر على الأب هذا الحق، من منطلق أنه لا وصية لوارث، وأن الوصية يجب ألا تتجاوز الثلث.

مؤكد أن لكل طرف مبرراته الشرعية، ولا أريد أن أناقش محتوى الفتوى التى صدرت عن كل منهما، لكننى أريد أن أحلل المنهجية التى اعتمد عليها كل منهما فى استخلاص فتواه.

كلا الطرفين أسس فتواه على توجيه قرآنى.. الشيخ على جمعة اعتمد على الآية القرآنية الكريمة التى تقول: «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقاً عَلَى الْمُتَّقِينَ».. وهى تسمح لمالك «الخير» بأن يوصى للوالدين والأقربين، بالإضافة إلى الاستناد إلى مبدأ «من حكم فى ماله فما ظلم». أما الدكتور «عطية» فاستند إلى آية المواريث التى تبدأ بقوله تعالى: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ».. إلى آخر الآية الكريمة.

الدكتور مبروك عطية ذكر أن آية المواريث أو الفرائض نسخت -أى ألغت حكم- آية «الوصية» التى استند إليها الدكتور على جمعة، وأسس فتواه عليها، من منطلق أن الوصية كانت متروكة للإنسان فى بداية التشريع، ثم جُعلت لله تعالى، لأن صدر آية المواريث بدأ بعبارة «يوصيكم الله»، وبالتالى فوصية الله ألغت الوصية التى تركت للفرد.

إنها من جديد نظرية «الناسخ والمنسوخ» التى حيرت العقل المسلم وأربكته على مدار قرون، وأظن أن مشايخنا وفقهاءنا بحاجة إلى إعادة نظر فيها، بالانطلاق من فرضية جديدة تنظر إلى آيات «الناسخ والمنسوخ» كآيات متكاملة وليست منقسمة أو متضاربة، لأن القرآن واحد ورب القرآن واحد أحد.

فكل آية نزلت لتشرّع لواقع ذى سمات محددة وظروف خاصة.. فآية الوصية تعالج الحالات التى يترك فيها الفرد وصية قبل أن يموت.. أما آية المواريث فتتعامل مع الحالات التى لا يترك فيها الراحل وصية.. وبالتالى فهما متكاملتان فى معالجة مسألة واحدة فى ظروف متغيرة، وقانون التغير هو القانون الأكثر ثباتاً فى حياة الإنسان.

أيضاً من المهم أن يحدد لنا الفقهاء بشكل دقيق معنى كلمة «خير»، وهل تشمل كل ما تركه الراحل أم تنصرف إلى ما يزيد عن حاجة مَن ترك، بمعنى هل يستوى أمر أب كل ما تركه شقة واحدة يعيش فيها بناته فكتبها بأسمائهن مع أب آخر ترك شقة يعيش فيها بناته وشقة أخرى كان يستثمرها؟.

ظنى -والله أعلم- أن المقصود بـ«الخير» ما فاض عن الحاجة، استدلالاً بالآية الكريمة التى تقول «وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ». فمعنى كلمة العفو يشمل ما زاد على حاجة الفرد وأهله المسئول عن الإنفاق عليهم.

وضع الأمور فى سياقها كفيل بمنع التضارب.

* نقلا عن “الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى