كوريا الشماليّة في الميزان
عبارة «في الميزان»، توجب على من يستخدمها الانطلاق من نزاهة القضاء المستقل والموضوعيّة في عرض الحيثيّات، لا من أحكام مسبقة تُصدر الحكم سلفا ثم تنقّب في المعقول واللامعقول عمّا يثبت التّهم، من دون فحص وتمحيص.
التهم الموجّهة إلى بيونج يانج تجعلها من أسماء الأضداد، فمعناها «الموقع الهادئ»، وأيّ هدوء، وأيّ سكينة! لكن أسوأ أعداء القضاء المستقل والعدالة، في ماضي الزمان وحاضره، هو ما قاله الشاعر الفرنسيّ «لافونتين» في إحدى أمثولاته: «حجّة الأقوى هي دائما الأفضل»، هي الدامغة الغالبة، وقضاؤها هو الضربة القاضية. سيكون العمود الموضع الهادئ ليحاول فهم ملابسات «الموقع الهادئ».
مبدئيّا ونظريّا، كوريا الشماليّة تتهدّد السلام العالميّ، تلعب بالصواريخ الباليستيّة، بالتجارب النوويّة، والطامّة الكبرى القنبلة الهيدروجينيّة، التي لا تعرف البشريّة حتى مدى كوارثها إذا انفجرت. هيروشيما وناجازاكي عرفناهما، أمّا هذه فلم يتفحّم بها بلد بعد، أو إقليم. السؤال المدمّر لمعنويّات الإنسانيّة هو: ما الذي يجعل بيونج يانج تتجاسر وتصعّر خدّها للإمبراطوريّة؟ هل حرمة العالم مستباحة؟ هل قوانينه منتهكة؟ هل منظمة الأمم المتحدة خيال مآتة وكمبارس بلا دور أمام «بطولات» الفتوّات القبضايات؟ هل القوى العظمى، التي لديها الآلاف من القنابل الذرّية، تقدم للعالم المثال العادل، والنموذج الفاضل، في أخلاق القوة وقيم الاقتدار، حتى تستطيع ردع الصغار الذين تراهم معربدين؟
الأمور نسبيّة، فمنطقة «الموقع الهادئ» هادئة بامتياز، قياسا على الشرق الأوسط والعالم العربي. هي ذي «إسرائيل» تملك ما يقال إنه مئتا رأس نوويّ، ولا أحد من العرب يعرف العدد الدقيق، قد يكون الرقم فوق أو دون، ولم تترك جناية جهنمية لم تقترفها، طوال سبعة عقود، والبرهان أين اليوم خريطة التقسيم سنة 47 ؟ أين الفتات المتبقي للفلسطينيين حاليّا، من صورة ما قضى لهم به التقسيم الجائر؟ مع ذلك يرى الغاصب نفسه الديمقراطية الوحيدة في منطقة يغلب عليها الاستبداد والتخلف والفوضى والتطرف، ناسيا دوره وأدوار زارعيه.
زرع الخلية السرطانية أدّى فعليا إلى دمار بلدان عربية بالجملة، ما لا سابقة له في التاريخ. كل ذلك في عصر تصدح فيه الحضارة المتفوقة علميّا وعسكريّا، بأنها تُحرّر الشعوب، وتجود عليها بالديمقراطية التي حصدت أضعاف ما أبادته قنبلتا هيروشيما وناجازاكي مجتمعتين. أليست هذه السلوكيات، التي يترفع عنها قانون الغاب وتتنزّه عن ارتكاب مثلها المفترسات، ضوءا أخضر يقول: «كن ذئبا وإلا أكلتك الذئاب»؟ السياسة الدولية اليوم لا أمان فيها لضعيف أو مسالم.
لزوم ما يلزم: النتيجة الدبشليميّة: قال شبل لأبيه إنني تحدّيت الثور فارتبك، قال إنه يراك ظلاّ لي.
عبد اللطيف الزبيدي
abuzzabaed@gmail.com