كوريا والمعجم الإسبارطي
خيري منصور
ودَّع العالم في الحرب العالمية الثانية معجماً سياسياً وعسكرياً يمكن وصفه بأنه إسبارطي بامتياز، ومن مفردات ذلك المعجم الإبادة، والتدمير الكامل ومسح دول عن الخرائط. لكن المعجم الكوري الآن في طبعته الشمالية يعيد مفردات ذلك المعجم ويضيف إليها أيضاً، ومن مفرداته وعباراته. حذف اليابان من هذا الكوكب، وإنهاء الجوار معهم إلى الأبد، وتحويل الولايات المتحدة إلى تراب فقط!
فهل تغيَّر العالم بمجمل أنماط التفكير والممارسات خلال ستة عقود أم أن هناك ثوابت تتجسد في مفاهيم مطلقة وشبه ميتافيزيقية لأنها غير تاريخية على الإطلاق!
إن من حذروا العالم من السلاح النووي ومنذ وقت مبكر كالفيلسوف البريطاني برتراند رسل وغيره كانوا يرون عن بعد وبعيون زرقاء اليمامة مستقبلاً بشرياً قاتماً لأن نظرية توازن الرعب وحدها لا تكفي لإبقاء الصراعات في طور الحرب الباردة، إذ تكفي شرارة واحدة لإشعال الحرائق في هذا الكوكب، وقد توقفه عن الدوران وتحوله إلى شبه منحرف بحيث لا يعود كروياً كما كان!
إن المعجم الإسبارطي الذي طالما أشار إليه المؤرخون كنقيض لمعجم أثينا أُمّ الفلاسفة والعلوم يُستخدم الآن ليس فقط بالكوري غير الفصيح، بل أيضاً بالعبري غير البليغ، ما دام هناك تهديد بالإبادة أو التطهير العرقي أو استعادة أعنف ما اقترن بالحروب الدينية في التاريخ.
إن ثنائية النصر والهزيمة لم تعد صالحة للاستخدام في حروب إبادية لا يسلم منها حتى من يبدأ بها، وقد يكتشف إذا أتيح له ذلك أن البادئ أظلم!
ولم يخطر ببال من احتفلوا بقدوم هذه الألفية قبل سبعة عشر عاماً أن البشرية ستعود مجدداً إلى قاموس العنف ومفردات تذكرنا بالقيامة!
فأي علم وأي تطور أنجزهما الإنسان بعد عدة ألفيات من الكدح وتدجين الوحش والتبشير بالتعايش إذا كانت الحصيلة برقيات تعزية استباقية وتهديداً بالفناء؟Original Article