كيسنجر وترامب وبوتين
مفتاح شعيب
رغم الغيوم السوداء التي تظلل العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا؛ بسبب المزاعم عن التدخل في الانتخابات، والتجسس على الحزب الديمقراطي أيام الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إضافة إلى الأزمات المؤقتة العسكرية والسياسية، إلا أن الحقيقة تبدو غير ذلك تماماً، وعكس التصورات السائدة، فبعض المواقف التي لا تجد حظها في الإعلام تؤكد أن العلاقات بين واشنطن وموسكو في أفضل حالاتها، وتستعد لتأسيس شراكة قوية.
عند انتخاب الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب انقلبت عليه وسائل الإعلام في بلاده، واتهمته بأنه صنيعة روسية، وضعيف لا يقوى على مواجهة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهي مزاعم نفاها ترامب، وإذا كان هناك من تدخل روسي في الانتخابات فمن المستبعد أن تصل إلى درجة تصعيد مرشح وإسقاط آخر. ومع ذلك أصبح هذا الاحتمال قناعة لدى بعض الأمريكيين، وربما هذا هو السبب الذي جعل ترامب يحد من تصريحاته «المعجبة» ببوتين، وتحت هذا الضغط ربما يكون اضطر إلى افتعال التوتر مع موسكو، حتى يثبت أنه «أمريكي» وفق العقيدة الراسخة، التي تفترض أن «الروسي» هو خصمها وعدوها. أما الواقع، فإن ترامب المعروف ببراجمايته ورغبته في عزل الولايات المتحدة عن أزمات العالم، يأمل في إقامة شراكة مع نظيره الروسي، للتخفيف من أعباء التكاليف العسكرية والدبلوماسية التي تتكبدها واشنطن، وفق وجهة نظره. وبناء على هذه المعطيات وغيرها، يمكن الاطمئنان إلى أن العلاقات الأمريكية الروسية تتجه رويداً رويداً إلى إزالة كل عقبات التوتر وسوء الفهم التي سادت منذ عهد الرئيس السابق بارك أوباما.
من العلامات التي ترجح الذهاب في هذا الاتجاه، التوافق بين البلدين على عقد أول لقاء بين الزعيمين ترامب وبوتين على هامش قمة العشرين في هامبرورج الألمانية بعد أيام قليلة. أما العلامة الأكثر وضوحاً فهي لقاء الرئيس الروسي قبل يومين بوزير الخارجية الأمريكي الأسبق المخضرم هنري كيسنجر في موسكو. وتحدثت تقارير أن هذا اللقاء له علاقة وثيقة بالقمة الأمريكية الروسية المنتظرة، فيما أشارت وسائل إعلام أمريكية إلى «مشروع صفقة مع روسيا» يقوم كيسنجر بالسهر عليه، وهو الذي التقاه ترامب قبل أقل من شهرين حين استضاف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في البيت الأبيض. والعالمون بخفايا السياسة الأمريكية يرون أن كيسنجر البالغ من العمر 94عاماً لا يتجلى دائماً، فهو مثل «الثعلب القطبي» يعتبر ظهوره مناسبة وأحاديث تطول عن صفقات وتفاهمات، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالعلاقة بين أمريكا وروسيا، لا سيما أن كيسنجر يعد أحد نجوم الحرب الباردة في السبعينات، وله جولات مع نظيره السوفيتي الراحل أندريه غروميكو. ووفق هذه المرجعية، يمكن الاعتقاد بأن هذا الوسيط سيبلور مع الروس تفاهماً واسعاً يعود بالكثير من الهدوء والأمن على العالم أجمع.
المؤشرات القادمة من الولايات المتحدة، تؤكد أن ترامب بدأ يستعيد توازنه بعد أشهر من المواجهات السياسية الداخلية، وربما بعد القمة التي ستجمعه ببوتين سيظهر وجه مقارباته الخارجية للأوضاع والأزمات المتفرقة، فواشنطن حالها كحال موسكو ترى مصلحة في أن تكون العلاقة بينهما قائمة على الشراكة والتعاون، أكثر من المواجهة والصدام، فهما أدرى ببعضهما، وكل منهما يعرف حدود الآخر ومصالحه؛ لذلك وجب التوافق وعقد الصفقات، ولو جاءت متأخرة بعض الشيء.
chouaibmeftah@gmail.com