كيفات العربية ولماذاتها
عبداللطيف الزبيدي
هل فتحت العربية كل أبوابها للّغويين؟ أغلبية الكتب التي تُعنى بأسرار اللغة، تنطبق عليها «وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً». لماذا؟ لأن اللغويين عكفوا في القرون الأربعة عشر الأخيرة، على «كيف»، التي ميدانها العمل الأرشيفي التصنيفي التعريفي التأليفي. ندرة هم عباقرة اللغة الذين نشروا الأجنحة وحلّقوا، في مقدمتهم ابن جنّي. أين بحوث «لماذا»؟
لقد توهّم بعض قدمائنا أن العربية معدنها ليس ترابيّاً، وأنها ليست نموّاً طبيعيّاً لمخارج أصوات قوم أو أقوام. أصحاب هذه الآراء، غاب عنهم أنهم يسيئون إلى إيمانهم، حين ينسبون إلى السماء اختلافات اللهجات والمدلولات، والخلافات بين النحاة ومذاهبهم الكوفية والبصرية والحجازية والتميميّة. فهل نشأت العربية في الأعالي وبها مفردات لا تحصى من لغات شتى ساميّة وأفروآسيوية وغيرها؟
لا شك في أن أيّ «كيف» أيسر جواباً من أيّ «لماذا»، في كل المجالات. كيف، وظيفتها شرح الوظيفة، أمّا «لماذا»، فهي تفتح باب الفلسفة. لكن الأمر في اللغة تحديداً مختلف، فمردّ صعوبة الإجابة إلى أننا لا نعرف الكثير عن اللغة الأمّ التي أنجبت اللغات السامية. مثلاً: «قد» تفيد الشك عندما تدخل على المضارع، لكنها في القرآن تفيد اليقين والإثبات أيضاً: «قد نعلم إنه ليحزنك» (الأنعام 33)، تأمّل اليقينين المضافين: إنه ولام التوكيد في ليحزنك. ما هي جذور «قد» الإثباتية؟ ثم، حتى نزول القرآن ظلت «كان» ثنائية الدلالة، تعني الماضي وتعني الحاضر والمستقبل «وكان الله غفوراً رحيماً». كيف كانت في العربيات الأولى؟ في اللغات السامية الأخرى «كان» تعني إنّ (تو بي الإنجليزية) لماذا تخلّى الفعل عن الحاضر كأنه العالم العربي؟
بعد هذه الأسئلة الاستفزازية، نختم بشطحة لماذيّة سخريتها زئبقية: لماذا اختارت العربية الكاف للتشبيه؟ وظيفتها وصف الشيء بأنه مثل كذا، كأنه توأمه، صنوه.ألا ينصرف ذهنك إلى «كا» عند قدامى المصريين؟«كا» عندهم هي النفس، الروح، القرين. ترجموها إلى الفرنسية والإنجليزية إلى «دوبل، دبل». نزهة ذهنية ممتعة إن شاء الله.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستنتاجية: كثرة اللماذات لدى أمّة، دليل قطعيّ على وفرة البحث العلمي.
abuzzabaed@gmail.com