قضايا ودراسات

لا يكفي أن تعطي وتبذل

شيماء المرزوقي

البعض منا ودون شعور وبحسن نية، يقومون بممارسات فيها تقليل من قيمة ما يعطون وهو عطاء ثمين، ولكن بسبب فعل ما، أو ممارسة ما، تدنت هذه القيمة للحضيض.
توجد جوانب حياتية كثيرة ومتنوعة، نبذل خلالها أو نقوم بفعل مهم، ولكن لم يكن هذا وقته أو لم يكن هذا موضوعه الصحيح والمناسب فتضيع القيمة الحقيقية لهذا الفعل وهذا العطاء. على سبيل المثال رجل شاهد عاملاً بائساً فقيراً يرتدي ملابس رثة ممزقة يبحث بين المخلفات عما يسد رمقه ، فيقوم في لحظة تعاطف وشفقة بإخراج ساعته الثمينة من يده، ولها ذكرى عزيزة عليه، ويقدمها لهذا العامل، فما الذي تتوقعون أن يحدث؟ سيأخذ العامل الساعة، ويتوجه لأقرب شخص ممن يعرفهم وهم بالمناسبة في العادة من محيطه، وسيأخذون الساعة الثمينة ويعطونه شيئاً متدنياً مقابلاً لها، أو أنه سيضعها في جيبه وسيحتار ماذا سيفعل بها، ولكن لا تتوقعوا أن يذهب بها نحو تجار الساعات الثمينة، أو المجوهرات، ليعرضها للبيع ليجد أفضل سعر، هذا غير وارد تماماً. لقد قلل هذا الرجل من قيمة عطائه رغم فدح وغلاء ما قدمه، هذا البائس يحتاج لما هو أهم من مثل هذا الحماس الوقتي، يحتاج لوظيفة أفضل، يحتاج لوجبة طعام أفضل، لملابس أفضل، يحتاج لأمل، وليس للتعاطف وحسب، من قدم الساعة الثمينة، سيشعر بالرضا النفسي، ولكنه لا يعلم أنه لم يحل أياً من مشاكل هذا الفقير.
مثال آخر، إنسان كادح براتب متواضع يرسله في نهاية كل شهر لأسرته وأطفاله، أمضى أكثر من خمسة أعوام دون رؤيتهم، لأنه لم يتمكن من جمع قيمة تذكرة السفر، فيأتي أحدهم ويتعاطف مع حالته التي يرثى لها، وفي لحظة حماس ودون أي تفكير يقوم بمنحه كوبون الإقامة في منتجع لمدة أربع ليالٍ شاملة كافة الوجبات والاستفادة من مرافق المنتجع كافة، وحجته أن يخرجه من هذا التعب والإرهاق.. حسناً وبعد أربع ليالٍ سيعود للتعب والشقاء، ألم يكن من الأفضل منحه تذكرة سفر ومصروفاً في يده ليذهب لرؤية أطفاله؟ مثل هذه الجوانب التي أتحدث عنها جديرة بالتوقف عندها ملياً. لا يكفي أن تتعاطف وتبذل حتى ولو كان هذا البذل ثميناً، يجب عليك أن تضع كل شيء في موضعه، حتى يكون لعطائك قيمة وأثر يغير من الحال المتردية للحال الأفضل والأجمل والأسعد. أليست هذه وظيفة العطاء؟

Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى