قضايا ودراسات

لجنة تحكيم خياليّة

عبد اللطيف الزبيدي

هل أشكل عليك فهم مدلول القيم في بعكوكة الاستخدامات التي يتشدق بها الجبابرة والمتطرفون وأدعياء الفن، لذرّ الرماد في العيون؟ أنت على حق في حيرتك، فعالم القيم اليوم ليلة «هالووين» تتقنّع بقناع حفلة «فالانتاين». لن نحتاج إلى أشعة سينيّة لكشف المخبوء، فهو أعجز من أن يخدع العقل السليم.
سنسلك عكس طريق الفيزياء عند إلقاء الحصاة في الماء. سننطلق من الدائرة الأوسع إلى نقطة الحصاة، التي هي إدراك أن الحضارة الغربية فقدت القيم التي صارت تدّعيها، ما يعني ضرورة اليقين من أننا في عالم يتغيّر نحو تحولات كبيرة، على العرب أن يجدوا لهم مكاناً فيها، إذا تعذّرت المكانة.
لنتخيل لجنة تحكيم من كبار جامعات هارفارد وكمبريدج والسوربون وهايدلبرج. نطرح عليهم أسئلة متنوّعة: هل في الإمكان تدريس أغاني «الراب» في المعاهد الموسيقية العليا؟ ما هي القواعد الأكاديمية والمناهج الموسيقية التي يمكن تأسيسها على هذا «الفن» الذي اجتاح الذوق العام العالميّ؟ هل تستطيعون تدريس «القيم الجمالية» للراب في فلسفة الفن والجمال في جامعاتكم؟ وماذا هي القيم التربوية أو الثقافية في أفلام الرعب والعنف وألعاب القتل الحاسوبيّة؟
ما رأيكم في تدريس الوجبات السريعة في كليات العلوم الصحيّة، والمشروبات الغازيّة التي غزت الدنيا، بوصفها تغذية «مثاليّة» للأجيال؟ لماذا لا تدخلون هذه التغذية «الحضارية» في التربية منذ الابتدائية لمعرفة أصول التغذية السليمة؟ ما لكم لا تجيبون؟ الآن الأهم: هل تستطيعون في كليات العلوم السياسية، تدريس أن نجاح الاقتدار السياسيّ هو في اختلاق الأكاذيب وإخضاع مجلس الأمن لفرضها، في سبيل احتلال البلدان وتدميرها وتشريد شعوبها، ونهب ثرواتها؟ لماذا لا تشرحون لطلابكم، بالمناهج المطبوعة أو الرقميّة، أن الفلسفة السياسيّة «الحضاريّة» الذكيّة، تضع في صدارة «منظومة قيمها» اختلاق فيروس الإرهاب وتغذيته كسلاح جيوسياسيّ وجيوستراتيجيّ، للاستيلاء على مصادر الطاقة، وتفتيت الخرائط وتفكيك جغرافيتها البشريّة، وتشويه الأديان؟ لماذا لا تدرّسونهم أن على من يريد دخول البيت الأبيض أن يضع على رأسه قلنسوة، ويقف عند حائط المبكى، معلناً تعزيز تفوّق «إسرائيل» عسكريّاً على مجموع الدول العربية؟ أنتم أكاديميون تتحلّون بالنزاهة وأهل علوم ومعارف، فكيف تعلّمون طلابكم أن اللغات الساميّة هي العربيّة والآراميّة والعبريّة والحبشيّة، بينما تلقنونهم أن «معاداة السامية» لا تشمل العرب والآراميين؟ ما لكم أصابتكم الأسئلة بالصدمة والترويع؟ لكن صمتكم أبلغ ممّا تدعيه حضارتكم من قيم.
لزوم ما يلزم: النتيجة اليقينيّة: الرائع في الأفكار هو أنها ليست انحصاريّة. عندما يعجز الناس عن النطق، تنطق فلسفة التاريخ.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى