قضايا ودراسات

لغز العمل المشترك

عبداللطيف الزبيدي

كيف يمكن تفسير لغز العمل العربي المشترك؟ هو أغرب مفارقة في تاريخ العرب. قبل النصف الأخير من القرن العشرين، لم يسبق للبلدان العربية أن قامت فيها أكثر من خمس وثلاثين منظمة وما إليها، بعضها له بدوره فراخ، لكن، كما يقول الشاعر: «وما أكثر الإخوان حين تعدهم..ولكنهم في النائبات قليلُ».
إذا كانت ذاكرتك لا تحتفظ طويلاً بما لا طائل من ورائه، فلا شك في أنك نسيت عدد القمم العربية منذ إنشاء المنظمة المشكوك في علة تأسيسها. إن لم تكن قد جاوزت الأربعين فالرقم ليس أقل قطعاً. لك مطلق الحرية في السؤال: هل يعقل أن يشهد العالم العربي وضعاً أسوأ مما هو عليه اليوم، لو لم تنبت على أرضه أي منظمة أو مؤسسة أصلاً، ولو لم تنعقد فيه قمم قط، بتاتاً ومطلقاً؟ كان سيتبخر مثلاً أو تطير به العنقاء أو تتغيّر القارّات؟ الأحجية الأغرب هي أن للعالم العربي مئات الجامعات، وكلها تدرّس العلوم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا شك في أن المدارس العليا والمعاهد والكليات المتخصصة في العلوم الإدارية قائمة طويلة أيضاً، فكيف يكون العمل المشترك غريباً مهملاً في بلدان هي في عداد الأوائل الأمسّ حاجة إلى التعاون التنموي والتعاضد البيني؟
السؤال الأعجب هو أن النموذج التنموي السائد يرفض سبل النجاح الممكنة، فهو لا يريد تمكين القطاع الخاص، ولا سيطرة القطاع العام بفاعلية، ولا توازن القطاعين معاً. ما الذي يتبقى؟ أن يكون الجميع مسلوب الحركة، غير قادر على الإنتاجية والابتكار. في هذه الحالة، لا سؤال عن علاقة نظام التعليم بالحياة العامة، فالمتخرجون عندما يدخلون «سوق العمل» يدركون أنهم أتوا إليها ببضاعة لا رواج لها، والحل البديهي هو أن يتأقلموا مع الدروس المضادة لما قضوا سنين في تعلمه.عندئذ: ألقِ ببضاعتك إلى حيث ألقت، و«دبّر حالك».
لزوم ما يلزم: النتيجة العملية: العمل المشترك لا ينفع، والتشتت عواقبه مأساوية. الحيرة هي الحل العربي.

abuzzabaed@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى