لماذا تنتخِب دول «الستار الحديدي» متطرفين؟
دوج سوندرز*
من أبرز العوامل التي أدت إلى جعل بعض الدول الشيوعية السابقة تنتخب أحزاباً متطرفة في الآونة الأخيرة، التجانس العرقي المصطنع، الذي خلقته دول الحلفاء، في تلك الدول، عام 1945، مما أدى إلى رفض التعددية الثقافية، ومعاداة الأقليات والمهاجرين.
هنالك خط فاصل عبْر وسط أوروبا، بين المتعصّبين والمتسامحين. شرقيَّ ذلك الخط، انتخبت غالبية أو تعددية قوية من الناخبين، أحزاباً قومية عرقية، تشوّه الأقليات الدينية والإثنية، وتصِمها بالشرّ، وتغلق الحدود أمام القادمين الجدد، وتتنكر للتعاون الدولي.
إنه خطّ جديد يتْبع مساراً قديماً: يبدأ عند بحر البلطيق، ويخترق وسط ألمانيا، ثم ينحدر باتجاه اليونان. هو الستار الحديدي القديم. التطرف المتعصب ينتصر الآن في معظم الدول التي كانت شيوعية قبل 1989.
وقد غدا هذا الخط أبرز وأوضح في أكتوبر/ تشرين الأول، عندما انتخب التشيك حكومة بقيادة اندريه بابيس، وهو ملياردير متهوّر في أحاديثه، خاض الانتخابات على أساس من مناهضة الهجرة والاتحاد الأوروبي. وهو في ذلك، منسجم بقوة مع حزب القانون والعدالة في بولندا، الذي يحكم منذ عام 2015، وينشر رسالة شوفينية معارضة للهجرة والجيران الأوروبيين (في نوفمبر/ تشرين الثاني، شهدت وارسو استعراضاً ضمّ ألوف الناس الذين ساروا تحت شعارات تدعو إلى «محرقة ثانية»). وبالمثل، تصَدَّر حزب فيديز في هنغاريا، الذي طالب رئيسُ الوزراء الذي ينتمي إليه، فيكتور اوربان، بإقامة جدران حدودية، تصَدَّرَ هجمات علنية ومخفية على اليهود، والروما (الغجر) والمسلمين؛ وكذلك الرئيس الصربي الكساندر فوتشيك، الذي يعتقد الكثير من الصرب أنه- على الرغم من موالاته الشكلية لأوروبا – قاد بلاده في اتجاه يتسم بالمزيد من النزعة العرقية- القومية، والموالاة لروسيا. وتلك المناطق الألمانية التي صوّتت بكثافة لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا، المتعصب في نوفمبر/ تشرين الثاني، تقع حصرياً ضمْن حدود جمهورية ألمانيا الديمقراطية الشيوعية القديمة.
لماذا تميل المناطق التي عاشت في ظل الشيوعية إلى الشعور بالانجذاب نحو سياسات الهوية الغاضبة؟ يشير بعض المحللين إلى ضعف المؤسسات، وإجرامية الأقليات الحاكمة، التي شهدتها دول التحوّل في مرحلة ما بعد 1989. وينظر آخرون إلى مستويات الفقر المرتفعة، والتفاوت الكبير، في تلك المناطق. أو إلى انعدام الثقة حتى بالحكومات التقدمية إلى حدٍّ ما، الناجم عن العيش عقوداً طويلة في ظل الحكم الشمولي.
ولكن أحد العوامل التفسيرية، يبرز فعلاً من بين العوامل الأخرى. وهو يفسّر أيضاً سبب إفلات الدول الشيوعية السابقة الأكثر تعددية عرقية، وأبرزها دول البلطيق والبوسنة، من المدِّ العرقي- القومي. وهو ينبع من القرارات التي، اتخذناها، نحن الحلفاء، في نهاية الحرب العالمية الثانية.
كانت جميع هذه الدول والمناطق، في مستهل القرن العشرين، شديدة التنوع العرقي والديني. كان أربعة من كل 10 بولنديين غير بولنديين عرقياً أو كاثوليكيين دينياً؛ وكانت أوروبا في مرحلة ما قبل الحرب، مكاناً يتسم بتعدد ثقافي كبير.
ولكن في عام 1945، وَضعَ ميثاق يالطا الذي جرى التفاوض عليه بين زعماء الولايات المتحدة، وبريطانيا والاتحاد السوفييتي، حدوداً أوروبية جديدة، نظّمتْ دول أوروبا الوسطى والشرقية على أسس عِرقية، بشكل صارم.
ونتيجة لذلك، حدث أضخم تطهير عرقي في التاريخ بعد الحرب بأمر من الحلفاء: تمّ طرد عشرات الملايين من السكان من العرقيات البولندية، والأوكرانية، والتشيكية، والهنغارية والألمانية، وَسيقوا قسراً إلى دول تحمل أسماء عرقياتهم، وكثيراً ما كانوا يموتون في غمار هذه العملية.
لقد تحدثتُ هذا الأسبوع إلى «أفيل روشوالد»، مؤرخ جامعة جورجتاون، الذي استكشفتْ كتبه وأبحاثه الرئيسية تاريخ واستمرار القومية العرقية في أوروبا الحديثة. وهو يشير إلى عدد من الأسباب، بما فيه الأسباب المذكورة أعلاه، ولكنه يلاحظ أن الدول الأحادية العرق تعتبر الآن من قِبل الكثير الأوروبيين الشرقيين، معياراً.
وقد أشار برانكو ميلاديتش، الخبير الاقتصادي الصربي الأمريكي مؤخراً، إلى أن العديد من ثورات 1989 المناوئة للشيوعية، لم تعتبَرْ في نظر العديد من مواطني المنطقة، انتفاضات ديمقراطية (وهي الطريقة التي تراها بها الحكومات الغربية)، بل «ثورات للانعتاق القومي». وكانت الثورة الديمقراطية للكتلة الشرقية «ديمقراطية ملاءَمة، لا ديمقراطية اختيار»- وآلية لولادة الهوية الإثنية والقومية.
*صحفي ومؤلف بريطاني – موقع صحيفة «ذي جلوب أند ميل»