لماذا صفعت عهد التميمي الجندي «الإسرائيلي»؟
غريغوري شوباك*
ركز معظم الإعلام الغربي، على صفع الطفلة الفلسطينية «عهد التميمي»، لجندي «إسرائيلي»، وتجاهل قيام جندي «إسرائيلي» بإطلاق النار على ابن عمها محمد (14 عاماً) في وجهه.
أطلق الجنود «الإسرائيليون» النار من مسافة قريبة جداً على «محمد التميمي»، الذي يبلغ من العمر 14 عاماً، في وجهه بعيار ناري مغلف بالمطاط يوم 14 ديسمبر/ كانون الأول 2017، في قرية النبي صالح، وهي قرية صغيرة في الضفة الغربية المحتلة. وقد خضع الصبي لجراحة استغرقت ست ساعات، ثم وضع في غيبوبة مستحثة طبياً.
وبعد ذلك بساعة، قامت ابنة عم محمد، «عهد التميمي»، بصفع وركل جندي «إسرائيلي» مسلح. وفي وقت مبكر من الأسبوع التالي، داهم الجنود «الإسرائيليون» منزل أسرة «عهد التميمي» في الساعة الثالثة فجراً، واعتقلوها، وصادروا هواتف العائلة، وحواسيبها الثابتة والمحمولة.
وحرمت «عهد» من إطلاق سراحها بكفالة، ويمكن أن تواجه السجن سنوات. (تم أيضاً اعتقال نور التميمي، ابنة عم عهد البالغة من العمر 16 عاماً، التي ظهرت في فيديو الصفع، ثم أفرج عنها بكفالة. وجرى اعتقال والدة عهد في وقت لاحق من ذلك اليوم، عندما استفسرت عن ابنتها، ولا تزال رهن الاحتجاز).
وصفت مقالة لمجلة «نيوزويك» في الأول من يناير/ كانون الثاني، الحادثة قائلة، إن عهد «اعتدت على جنود«إسرائيليين».. وهددت جنديين«إسرائيليين»ثم ضربتهما على الوجه، ودفعتهما، وركلتهما، وقذفتهما بالحجارة». وأشارت المقالة إلى تصرفات عهد باعتبارها «اعتداءات» و«هجوماً». وأهملت ذكر أن الجنود «الإسرائيليين» كانوا قد أطلقوا النار للتو على ابن عم «عهد» البالغ من العمر 14 عاماً، وأصابوه بجراح بليغة.
وأذاعت شبكة «سي إن إن» أيضاً (في 8-1-18)، خبراً تغاضى عن ذكر أخطر عمل عنف حدث في ذلك اليوم، كما فعلت وكالة رويترز (في 28-12-17 و 1-1-18). واتسم تقرير لوكالة اسوشيتد برس بالعيب نفسه، تاركاً انطباعاً خاطئاً بأن الجندي قد هوجم دون أن يقوم باستفزاز.
وقصرت مجلة «نيوزويك» أيضاً عن ذكر أن الجنود «الإسرائيليين» أفراد في قوة عسكرية تحتل الضفة الغربية منذ 50 عاماً. ولم تتطرق رواية شبكة «سي بي اس»، في 21 ديسمبر/ كانون الأول، إلى ذكر الاحتلال، المسؤول عن شكل التعامل بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين». (وجرى التغاضي عن حقيقة أن الشعب الذي يخضع للاحتلال، يملك الحق القانوني في مقاومة الاحتلال، في جميع المواد الإعلامية التي تجري مناقشتها في هذه المقالة).
ولا يتطرق تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» (22-12-17) إلى ذكر أن محمد التميمي كان قد أطلقت عليه النار في الوجه برصاصة مطاطية حتى الفقرة الثالثة عشرة،، وكأن هذه الحقيقة ضئيلة الشأن.
وتقول مقالة «نيوزويك»، إن عهد التميمي، «تواجه الآن خمسة اتهامات بالاعتداء على قوات الأمن»، وهي «متهمة بالتدخل في واجبات الجنود من خلال منعهم من العودة إلى مواقعهم».
ومن المعروف أن حجب تلك المعلومات يجعل الأمر يبدو وكأن التميمي سوف تحظى بعملية قانونية عادلة، ولكن الأدلة تشير إلى عكس ذلك. ووفقاً لجمعية الحقوق المدنية في «إسرائيل»، يخضع الفلسطينيون في الضفة الغربية لنظام المحاكم العسكرية الذي «لا يمنح الحق في الإجراءات القانونية الواجبة، والحقوق المستمدة منها»، بينما يملك «الإسرائيليون» الذين يستعمرون المناطق المحتلة بوجه غير شرعي، حقوق وامتيازات نظام قانوني مدني.
وسن الرشد في المحاكم العسكرية، هو 16 عاماً، مما يعني أن المراهقين الفلسطينيين يمكن أن يحاكموا باعتبارهم بالغين، في حين أن سن الرشد لل«إسرائيليين» هي 18 عاماً.
وفي حين أن صحيفة «نيويورك تايمز»، وشبكة «سي ان ان»، توفران منبراً للتخمين حول ما إذا كان الفلسطينيون يريدون لأطفالهم أن يعانوا، لأن ذلك ينفع في مجال العلاقات العامة، فإن هذا الاستنباط يتجاهل الكثير. وعلى سبيل المثال، لا يذكر أي من المواد الإعلامية السابقة، خطر تعرض التميمي للضرر الشديد في السجون «الإسرائيلية». ومع ذلك، فإن منظمة يونيسيف تتهم «إسرائيل» بإخضاع الشبان الفلسطينيين «لممارسات تصل حد المعاملة أو العقوبة الوحشية، وغير الإنسانية أو المهينة، وفقاً لاتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية مناهضة التعذيب».
وتتجاهل هذه التقارير سوء معاملة «إسرائيل» الموثقة بدقة للشباب الفلسطيني، مما يشير إلى أن ليس الآباء الفلسطينيون، بل الصحفيون الغربيون، هم الذين يهمهم رسم مشهد علاقات عامة.
*يقوم بتدريس الدراسات الإعلامية في جامعة «غلف همبر» في تورونتو بكندا. موقع: إلكترونيك انتفاضة