قضايا ودراسات

لندن وثمن الاعتداءات

مفتاح شعيب
صدم الإرهاب، مرة أخرى، البريطانيين في قلب لندن، إذ قتل ثلاثة متشددين سبعة أشخاص وأصابوا 50 آخرين دهساً وطعناً قبل أن تردي الشرطة الجناة وتنطلق التحقيقات لتحديد هوياتهم والخلايا التي أهلتهم لهذه الجريمة. ومن المرجح أن يكون التقصي حافلاً بالمفاجآت، لا سيما في مثل هذه الظروف حيث تنشط الشبكات الإرهابية العابرة للحدود، وما زالت قصة اعتداء مانشستر الأخير حاضرة في وسائل الإعلام ولم تخرج من هواجس البريطانيين بعد. من الناحية الأمنية، ربما كانت الاعتداءات، التي داهمت البريطانيين ليل السبت/الأحد، أقل ضحايا من غيرها، ولكن وقعها الأمني والنفسي كان أسوأ بسبب حصولها في ساعة متأخرة نسبياً وهزت مواقع حيوية منها جسر لندن القريب من البرلمان الذي شهد في مارس الماضي حادثة مماثلة، وقد حدث كل هذا في ظل انتشار غير مسبوق للجيش لمؤازرة عناصر الشرطة في حفظ الأمن تنفيذاً لإجراء حكومي للوقاية من الهجمات الإرهابية بموجب قوانين الطوارئ السائدة في معظم الدول الأوروبية التي عرفت اعتداءات أو تتخوف منها. في أقل من ثلاثة أشهر، فجع البريطانيون ثلاث مرات، اثنتان في لندن وواحدة في مانشستر الشهر الماضي وكان تأثيرها سيئاً، فقد كشف تتابعها كثيراً من الثغرات الأمنية، كما أثبت أن الإجراءات، التي تم اتخاذها عقب تفجيرات محطات المترو عام 2005، انهارت أو هي لم تعد تواكب طبيعة التهديدات المستجدة. ومن المتوقع أن يثور جدل واسع بين الأجهزة الأمنية والقيادات السياسية والحزبية حول أسباب تمكن الإرهاب من اختراق «الحصن» البريطاني في فترة وجيزة، وهو ما سيفرض طرح قضايا عدة تتعلق بعلاقة لندن مع بعض الأزمات والدول، فضلاً عن وضع كثير من المتطرفين الإسلاميين الموجودين في المملكة المتحدة، الذين يتورط بعضهم في جرائم إرهابية ضربت بريطانيا وغيرها، ومنهم من يدير منظمة إرهابية وشبكات مسلحة تنشط في صراعات كثيرة أهمها سوريا. إذا كان البريطانيون جميعاً قد تأذوا من هذه الاعتداءات وبينوا عن صلابة في مواجهة «الجبناء»، فإن هناك ثمناً سياسياً سيدفع وهو ما سيتكبده، على الأرجح، حزب المحافظين ورئيسة الوزراء تيريزا ماي، لا سيما أن هذا الاعتداء الأخير جاء قبل أربعة أيام من استحقاق انتخابي مصيري بالنسبة إلى لندن كان مخصصاً لنيل الدعم الشعبي لاستكمال خطوات الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولكن بعد الاعتداءات الإرهابية الأخيرة ستتغير الأولويات لدى الناخبين البريطانيين الذين باتوا يشعرون بأن أمنهم مهدد، وأن السياسيات الشعبوية التي أنتجت «بريكست» لم تجلب الخير، ولذلك بدأ الكثيرون منهم يميلون إلى حزب «العمال» المعارض وكذلك إلى جانب جناح في حزب «المحافظين» يقاوم طروحات السيدة ماي وجناحها المناصر لانعزال بريطانيا عن الفضاء الأوروبي. التجارب الديمقراطية تؤكد أن الانتخابات والاستفتاء تتأثر نتائجها مباشرة بآخر المستجدات على الناخبين سواء من الناحية الأمنية والاقتصادية، وفي بريطانيا اليوم يحضر الاثنان معاً، فتكرار الاعتداءات سيرسخ القناعة لدى الغالبية بأن أصحاب القرار السياسي لم يعودوا أهلاً للقيادة والمسؤولية ولذلك يجب أن يسقطوا بالاقتراع. أما أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي، فربما منحتهم الأحداث مساحة للتأمل لإعادة قراءة الواقع والبحث عن فرص للتدارك.


chouaibmeftah@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى