قضايا ودراسات

ماذا يجري في تونس؟

صادق ناشر

التطورات الجارية في تونس منذ أيام، والمتصلة بالاحتجاجات التي تشهدها مدينة تطاوين، دليل على أن الوضع في هذا البلد العربي لم يستقرّ بعد، ويحتاج وقتاً لعودة الأمور إلى عهدها السابق، على الرغم من النجاحات التي تحققت خلال الفترة التي أعقبت «ثورة الياسمين»، عام 2010، وما أدت إليه من تغييرات في بنية الدولة والمجتمع والساحة السياسية.
الاحتجاجات المستمرة منذ أيام، جاءت على خلفية المطالبة بتوفير وظائف للشباب العاطلين عن العمل، قبل أن تتخذ منحى تصاعدياً، حيث تم، ولأول مرة، إغلاق محطة رئيسية لتجميع وضخ النفط في الصحراء، والتي ينقل عبرها الخام إلى ميناء الصخيرات بمنطقة صفاقس لتكريره، وتهديد بعض قادة المحتجين بمزيد من التصعيد، إذا واصلت الحكومة ما أسموها ب «سياسة المماطلة والتهميش وعدم الاستجابة لمطالبهم»، ما يثير المخاوف من تمدد الأزمة لتشمل البلاد بأكملها.
تدخل الجيش التونسي في الأزمة، والذي أدى إلى مقتل شخص وجرح عدد آخر، يزيد من الاحتقان، ويعقّد الوضع بشكل أكبر، خاصة في ظل التوتر القائم بين الجانبين، وإصرار المحتجين على البقاء في الأماكن التي يعتصمون فيها، وهي أماكن حساسة وذات أهمية للاقتصاد التونسي برمته.
تحاول حكومة يوسف الشاهد الإبقاء على سياسة «النفس الطويل» في معالجة الأوضاع الملتهبة في الجنوب، لكن الخوف من أن تفقد الحكومة صبرها، وتعمل على التصعيد، لأن ذلك قد يشعل شرارة احتجاجات أكبر وأخطر في مناطق أخرى في البلاد.
لا يريد المواطن العربي أن يشاهد صورة أخرى من صور العنف في بلد آخر، كما هو الحال في العراق وسوريا واليمن وليبيا، والأخيرة مجاورة لتونس، ويمكن أن ينتقل منها العنف، وتجد تونس نفسها في خضم معركة لا تقل عن المعارك التي تشهدها بعض الدول.
من المبكر الحديث عن سيناريو كهذا، لأن تونس بمؤسساتها الدستورية والمدنية قادرة على مواجهة الأزمة التي تمر بها اليوم في تطاوين، وجميعنا يتذكر كيف تخلصت من آثار وتداعيات الاحتجاجات التي ضربت دولاً عربية عدة، حيث ساعدت مدنيتها على تجاوز الآثار المترتبة، من جراء اندلاع الثورة ضد الرئيس زين العابدين بن علي عام 2010، واستطاعت العودة إلى مربع الاستقرار في فترة زمنية قصيرة.
مع ذلك، فإن الفساد السياسي بدأ يظهر بعد الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الباجي قايد السبسي، ما يؤدي إلى هدم ما تحقق، حيث أدى هذا الفساد إلى التهام الإنجازات الإيجابية التي حققها الشعب التونسي في الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة، وقد تجلى ذلك في صورة الانقسام الذي شق حركة «نداء تونس»، والذي أثر في المجتمع التونسي بأسره.
وزاد من ذلك، ارتفاع منسوب الفساد ومؤشراته في البلاد، وجاءت تصريحات رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب، التي أشار فيها إلى أن مؤشرات الفساد في تونس قد ارتفعت بعد 5 سنوات من الثورة، لتؤكد حقيقة التحديات التي تواجه المجتمع التونسي بعد سنوات من الاستقرار، والخشية أن تُستغلّ الاحتجاجات الحالية لعودة البلاد إلى المربع الأول.

sadeqnasher8@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى