قضايا ودراسات

ماكرون والانتخابات البرلمانية

د. غسان العزي
كان دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية قد حدد ولاية رئيس الجمهورية بسبع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. لكن لم يكمل أي رئيس ولايتين كاملتين سوى فرانسوا ميتران، بين العامين ١٩٨١ و١٩٩٥. فالجنرال ديغول استقال في العام ١٩٦٩ إثر الاستفتاء الذي لم يأت لمصلحته فخلفه جورج بومبيدو، الذي توفي وهو في السلطة. أما فاليري جيسكار ديستان فلم ينجح في التجديد لولاية ثانية.
خلال ولاية ميتران الثانية بدأ النقاش الدستوري حول تخفيض ولاية الرئيس، وسبب ذلك «الإنهاك» الذي راح يدب في حراك الرئيس الذي «استنزفته» السلطة كما استنزفت معه الشعب الفرنسي الذي بات لا يطيق الاستماع إلى أخبار رئيسه المريض، والذي يخفي مرضه أو المتعب بسبب تقدمه في السن وما إلى ذلك.
أمر آخر حدث خلال ولاية ميتران للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الخامسة. فولاية البرلمان هي خمس سنوات وليس سبعاً، وبالتالي فإن الانتخابات التشريعية تجري عادة خلال العهد الرئاسي. وبما أن لا شيء يضمن أن تأتي الأغلبية البرلمانية من حزب الرئيس نفسه، فقد تتشكل حكومة من حزب أو ائتلاف منافس أو معارض للحزب الذي ينتمي إليه الرئيس، الأمر الذي يضع العصي في عجلات الحكم فتتعقد عملية إصدار القرارات وتتعطل الحياة السياسية بسبب الخلافات بين رئيسي الحكومة والجمهورية. هذا بالتحديد ما حصل مع الاشتراكي ميتران الذي اضطر للتعايش مع حكومة يرأسها اليميني الديغولي جاك شيراك، وهذا ما تكرر مع شيراك نفسه الذي اضطر بدوره للتعايش مع حكومة يتزعمها الاشتراكي ليونيل جوسبان.
لم تكن تجارب التعايش هذه ناجحة، ما حدا بالمشرّع الفرنسي إلى التفكير في حل يقي شر تكرار مثل هذه التجارب، فكان التعديل الدستوري الذي خفّض ولاية الرئيس إلى خمس سنوات وتضمن اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الوقت نفسه تقريباً بفارق بضعة أسابيع فقط. والخلفية التي حكمت هذا التعديل هي أن تزامن هذه الانتخابات يجعل من المنطقي أن الشعب الذي ينتخب الرئيس لا بد أن يمنحه أغلبية نيابية تمكنه من الحكم وتحقيق وعوده الانتخابية، فيكون تحمله للمسؤولية كاملاً ناجزاً من دون عراقيل.
هذا المنطق، وإن كان نظرياً في الحقيقة، إلا أنه نجح مع نيكولا ساركوزي الذي حكم فرنسا متكئاً على أغلبية يمينية من حزبه، ومع فرانسوا هولاند الذي تربع على الحكم مدعوماً بأغلبية برلمانية اشتراكية. لكن مشكلة إيمانويل مختلفة، فهو على خلاف هولاند وساركوزي لم يأت من صفوف حزب تقليدي عريق كالحزب الديغولي أو الحزب الاشتراكي.
وأول ما فعله، سعياً وراء«أغلبية رئاسية» مريحة، لدى دخوله الإليزيه هو تعيين رئيس حكومة من صفوف اليمين الديغولي وحكومة كانت مناصفة دقيقة بين الرجال والنساء وفيها من اليمين واليسار على حد سواء ونصف أعضائها من المجتمع المدني، تماماً كما وعد خلال حملته الانتخابية. وعلى هذا النمط جاءت ترشيحات حركة «إلى الأمام» على المستوى الوطني من مرشحين، بمعزل عن هويتهم السياسية أو الأيديولوجية، يودون الانتماء إلى «الأغلبية الرئاسية» المقبلة وبالتالي إلى الفضاء السياسي «الماكروني» الواسع.
«الجمهوريون» أعلنوا أنهم سيطردون من صفوفهم من يترشح تحت شعار «إلى الأمام» لكن الحزب الاشتراكي لم يفعل. وبالطبع لا أحد سوف يتعاون مع «الجبهة الوطنية» اليمينية المتطرفة، التي لن تحصل على عدد مهم من المقاعد، بحسب استطلاعات الرأي. أما الحزب الاشتراكي فيواصل سقوطه السريع إذ إن معظم قيادييه التحقوا بحركة ماكرون، ويطمح يسار اليسار المتمثل في جان لوك ميلانشون إلى تكوين كتلة برلمانية وازنة تجعله الحزب المعارض الرئيسي، لكن استطلاعات الرأي تتوقع له تبوء المركز الثالث بعد حزب «الجمهوريين» و«إلى الأمام».
هذه الاستطلاعات تتوقع استحواذ ماكرون على أغلبية برلمانية تتيح له تشكيل حكومة موالية (بين ٢٨٠ و٣٠٠ مقعد من أصل ٥٧٧). ولكن إذا لم يحصل ذلك وفاز «الجمهوريون» مثلاً بالأغلبية تكون ولاية الرجل الرئاسية قد انتهت قبل أن تبدأ.Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى