قضايا ودراسات

ماكرون يراكم مكاسبه

صادق ناشر
يمكن القول إن فرنسا دخلت عصراً جديداً تماماً، حيث يراكم الرئيس الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون مكاسبه السياسية بفوز مريح لحزبه «الجمهورية إلى الأمام» في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية التي جرت الأسبوع الفائت إثر دورة أولى شهدت نسبة امتناع قياسية وتراجعاً للأحزاب التقليدية التي حكمت فرنسا لعقود طويلة، وكانت تتبادل المواقع في حكم البلاد، وخاصة أحزاب اليمين واليسار، والتي سجلت أكبر خسائرها السياسية.
وأظهرت نتائج الانتخابات التشريعية، حضوراً كبيراً لناشطي وأنصار حزب الرئيس، في واحدة من تجليات الوضع الذي آلت إليه فرنسا بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت جولتها الأولى في الثالث والعشرين من إبريل/ نيسان والثانية في السابع من مايو/ أيار، وأوصلت ماكرون إلى قصر الإليزيه، فقد كان الكثير من الاستطلاعات تمنح ماكرون فوزاً مريحاً، خاصة وأن هناك تذمراً واسع النطاق في المجتمع الفرنسي من الأداء الركيك للأحزاب الفرنسية التقليدية، التي أصرت على استنساخ مواقفها القديمة، فيما قدم ماكرون خطاباً جديداً أقنع الناخب الفرنسي بأنه الشخص المناسب لحكم البلاد خلال السنوات الخمس المقبلة.
من الواضح أن نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية ستمنح الرئيس المنتخب دفعة قوية لتنفيذ برنامجه السياسي، فالنتائج تطلق يده لإجراء عملية تغيير واسعة في المجتمع الفرنسي، الذي أصابته مخاوف من عدم قدرة قيادته على مواجهة طوفان الإرهاب الذي أغرق البلاد بسيل من العمليات الإرهابية، وأظهرتها في موقع ضعف وغير قادرة على مواجهة مخططات الإرهاب قبل وقوعها.
يمتلك ماكرون برنامجاً إصلاحياً طموحاً، يتمثل في إصلاح قانون العمل وفرض قواعد أخلاقية في الحياة السياسية واعتماد مشروع قانون لمكافحة الإرهاب يفترض أن يحل محل حالة الطوارئ السارية منذ العمليات الإرهابية التي تجتاح فرنسا منذ نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2015.
وفي حين كانت المكاسب السياسية لحزب الرئيس الفتيّ كبيرة، فقد شكلت الانتخابات الأخيرة استفتاء على شعبية بقية الأحزاب التي ظلت تحكم البلاد خلال العقود الماضية، حيث أظهرتها الانتخابات بمظهر العاجزة وغير القادرة على مواكبة طموحات وآمال الفرنسيين، وكانت مؤشرات ذلك قد بدأت تتشكل في نتائج الانتخابات الرئاسية، حيث عاقب الناخب الفرنسي الأحزاب التقليدية بتأييد حزب جاء من خارج التوقعات والحسابات التي كانت تطغى على الحياة السياسية قبل إجراء الانتخابات، زاد من ذلك الفضائح التي ضربت بعض مرشحي الأحزاب، أبرزهم فرانسوا فيون، الذي كان جواداً يراهن عليه اليمين، لكنه تعثر في السباق بعد أن دخل في دوامة الفضائح والمعارك القضائية، التي لم يستطع الإفلات منها.
في كل الأحوال حصد ماكرون ما أراده من الانتخابات التشريعية، كما كان الحال في الانتخابات الرئاسية، التي منحته الفرصة ليصنع تاريخاً جديداً لفرنسا.. وقد بدأت عملية التحول السياسي واضحة في موقف فرنسا من الأزمة السورية حيث أعلن ماكرون أن مصير الرئيس السوري ليست أولوية لأن لا وجود لرئيس شرعي آخر، وهذا يعني «انقلاباً» في موقف باريس سوف يؤثر على مواقف أخرى.

sadeqnasher8@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى