قضايا ودراسات

ماكرون يغير فرنسا

يونس السيد

نجح إيمانويل ماكرون في تحقيق ما هو أكثر من الأغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية الفرنسية، في مفاجأة ثانية خلال بضعة أسابيع، بعد أن كانت المفاجأة الأولى وصوله هو نفسه إلى قصر الإليزيه، فهل يستطيع ماكرون إحداث المفاجأة الثالثة وتنفيذ الإصلاحات التي تعهد بها خلال حملته الانتخابية لإحداث التغيير الحقيقي والمطلوب في فرنسا؟.
من الواضح أن فوز حزبه «الجمهورية إلى الأمام» الساحق في الانتخابات البرلمانية، والذي لم يمضِ على تأسيسه أكثر من عام، يؤكد وجود رغبة عارمة لدى الفرنسيين في التغيير، ولكن يبدو أن هذه الرغبة الجامحة مرتبطة بماهية التغيير ومضمونه، وبالتالي لن تكون تفويضاً مفتوحاً أو شيكاً على بياض، يتصرف به ماكرون كيفما يشاء.
ملامح التغيير الأولى ظهرت مع الإعلان عن فوز ماكرون بالانتخابات الرئاسية، وبالتالي كسره للاحتكار التقليدي للحزبين الكبيرين (اليمين واليسار الاشتراكي) اللذين ظلا يتناوبان الحياة السياسية الفرنسية لعقود طويلة. وتكرست هذه الملامح مع اكتساحه مقاعد الجمعية الوطنية (البرلمان) وتجاوزه حاجز الأغلبية المطلقة، وهي خطوة يبدو أنها ستختتم باكتساح الغرفة الثانية في البرلمان (مجلس الشيوخ) في منتصف سبتمبر/أيلول، ما يعني حدوث تغيير جدي في الخارطة الحزبية والسياسية الفرنسية، وبالتالي إطلاق يد ماكرون في تنفيذ إصلاحاته من دون أي معارضة حقيقية بعد الإمساك بدفتي السلطتين التنفيذية والتشريعية. بطبيعة الحال، لم يكن أكثر المتفائلين ولا حتى ماكرون نفسه يتوقع سير الأمور على هذا النحو، ولكن حجم الأخطاء التي ارتكبها اليمين واليسار الاشتراكي طوال السنوات الماضية، وعلى كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب الإخفاق الأمني في منع الاختراقات الإرهابية الكبيرة، دفع الفرنسيين إلى معاقبة هذين الحزبين، ربما بطريقة أقسى مما كان يتوقعه البعض. فاليسار الاشتراكي مني بهزيمة تاريخية بعدما خسر الأغلبية المطلقة التي كان يتمتع بها مع 295 مقعداً ليحصل على 34 مقعداً فقط، وهو الأمر الذي يدخل الحزب في أزمة عميقة تنذر بإمكانية اختفائه من الساحة السياسية، خصوصاً بعد الانهيارات الكارثية في صفوفه ودخوله في أزمة مالية وتمويلية قد يصعب تجاوزها. وكذلك الحال بالنسبة لليمين، الذي وجد نفسه مقزماً بعد أن حل ثانياً بحصوله على 125 مقعداً، بسبب المغامرة الفاشلة التي زجه بها مرشحه للرئاسة فرانسوا فيون الغارق في قضايا الفساد.
في كل الأحوال، يجد ماكرون نفسه مطلق اليدين في تنفيذ برنامجه الإصلاحي الذي يثير مخاوف لدى الكثيرين، خصوصاً في شقيه الاقتصادي والاجتماعي، في ظل عدم وجود معارضة قوية في البرلمان، ما يفتح الطريق أمام مخاوف أخرى من أن يتحول النظام برمته نحو الديكتاتورية والاستبداد، وبالتالي فإن ضعف المعارضة في البرلمان، بحسب مراقبين، قد ينقلها إلى الشارع بكل ما يعنيه ذلك من اضطرابات وقلاقل قد تدخل فرنسا في حسابات أخرى أكثر تعقيداً.

younis898@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى