مقالات عامة

مالي.. قاعدة هجومية

فيصل عابدون

تحولت جمهورية مالي التي كانت التنظيمات الإرهابية تعدها لتصبح محطتها الرئيسية للوثوب إلى هلال واسع من الدول الإفريقية، إلى قاعدة هجومية لمكافحة الإرهاب وملاحقة تشكيلاته العسكرية وقياداته الميدانية والفكرية والقضاء على تهديده الذي كان مخططاً أن يتمدد، وينشئ ولايات مترابطة وصولاً إلى الشواطئ الليبية التي تقود مباشرة إلى أوروبا.
كانت مالي أشبه بالمنطقة المحررة بالنسبة لتنظيمات الإرهاب المحلية والدولية، فهذه الدولة التي تنفتح على حدود سبع دول إفريقية وكانت حتى سنوات قليلة ماضية تعاني مشكلات ومتاعب سياسية تمثل بموقعها الاستراتيجي الحاكم وحالة السيولة الأمنية، مكاناً ملائماً لإيواء القاعدة الصلبة للإرهاب، ونشطت تنظيمات القاعدة وداعش وجماعات أخرى في تطوير مقارها ومعسكراتها القتالية وتدريب أنصارها والقيام بعمليات هجومية. ونشرت الحكومة الفرنسية أربعة آلاف جندي في إطار «عملية براخان» في محاولة للسيطرة على تمدد الجماعات المتطرفة في المنطقة. لكن هذا العدد من الجنود ووجود فرنسا وحدها في ميدان المواجهة لم يكن كافياً لاحتواء الخطر الإرهابي.
وهكذا أطلقت فرنسا فكرة «القوة الإفريقية المشتركة» المكونة من جيوش خمس دول إفريقية لتقود العمليات العسكرية النشطة في المنطقة بهدف إنهاء التهديد في الدول الخمس ومنع وصوله إلى الحدود الليبية. لكن الخطوة واجهت عقبة التمويل، إذا إن فرنسا لا تستطيع لوحدها أن تتحمل كلفة قوة عسكرية ضخمة وهي التي تمول قواتها المنتشرة في عدة دول إفريقية بينها تشاد وإفريقيا الوسطى والسنغال.
وتحركت فرنسا في إطارها الأوروبي مبتعدة قدر الإمكان عن الولايات المتحدة ونجحت في إقناع الدول الأوروبية بأهمية وجود القوة المشتركة ودورها الحاسم في حماية استقرار القارة من تدفقات المهاجرين واختراقات الجماعات الإرهابية.
وفي نهاية الأسبوع الماضي حصلت القوة المشتركة على مكاسب مالية وسياسية كبيرة في اجتماع بروكسل. وعزز الاتحاد الأوروبي دعمه المادي للمجموعة العسكرية للدول الخمس، ورفع مساهمته في تمويل القوة العسكرية من 50 إلى 100 مليون يورو «بغية تمكينها من التصدي للجماعات المسلحة والإرهابية الناشطة في منطقة الساحل»، كما أعلن عن إنشاء مركز للرصد والمراقبة لدعم دول الساحل الإفريقي في الحرب على الإرهاب وتحسين حياة السكان وخلق فرص للعمل وتوفير المياه والكهرباء والتعليم. وأكد الاتحاد الأوروبي على أهمية «مراقبة الحدود ورفع جاهزية قوات دول المنطقة»، لمحاربة الإرهاب في المنطقة.
وتقدمت باريس خطوة أخرى عندما قدمت مشروع قانون لمجلس الأمن يجيز لقوات الأمم المتحدة المنتشرة في مالي، تقديم «دعم لوجستي وتشغيلي» لقوة الساحل، يشمل «الإجلاء الطبي والإمداد بالوقود والمياه والحصص الغذائية، إضافة إلى الدعم اللوجستي في بناء المعسكرات والقواعد العسكرية». لقد حصلت القوة العسكرية على التمويل وباتت جاهزة لإنجاز مهامها انطلاقاً من مالي.

Shiraz982003@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى