متى يبدأ الكاتب الكتابة؟
د. حسن مدن
في أي عمر يبدأ الكاتب الكتابة؟
بمطالعة سير الكثير من كبار الكتّاب نجد أن موهبتهم أفصحت عن نفسها باكراً، وأنهم جربوا ضروباً من الكتابة وهم على مقاعد الدراسة في سنوات الصبا أو عندما أصبحوا شباناً يافعين أو ناضجين، وليس مهماً هنا إذا لم تكن أولى كتاباتهم هي التي كرّستهم كتّاباً أو عرّفت القراء بهم، فهذا يتحقق لهم بعد أن ينجزوا أعمالاً لافتة وقد استوت تجربتهم ونضجت، فالحديث إنما يدور عن المرحلة العمرية التي يشرع فيها من سيصبح كاتباً الكتابة، حين يشعر أنه خلق ليكون كاتباً.
لكن في سير كتّاب كبار آخرين نجد ما يفيد أنهم ولجوا عالم الكتابة وهم في أعمار متقدمة.
من هؤلاء هنري ميللر الذي لم يبدأ الكتابة إلا في سن الثالثة والثلاثين، رغم أنه في حواره مع كريستيان دي بارتيا قال بأنه كان يريد أن يكتب قبل ذلك، عندما كان شاباً، ولكن لم يكن لديه من الشجاعة والثقة بالنفس ما هو ضروري للشروع بذلك. في شبابه عاش مع امرأة أرملة تكبره سناً، حين حاول الكتابة بقلم صغير فوق قطعة ورق مهملة، بل أسوأ من ذلك فوق صحيفة صغيرة مصورة، وكان يقول لنفسه: لديّ موهبة ولا بد من قلم. والآن سأحاول الكتابة للمرة الأولى، وهكذا كتب. كتب نصف صفحة فقط، وبعد ذاك ألقى بالورقة، وثانية راح يحدث نفسه: أنا لا أقدر على الكتابة ولن أعرف أن أكتب أبداً. أنا لست كاتباً.
كان عليه بعدها أن يمكث عشر سنوات دون أن يكتب، حين كتب روايته: الأجنحة المتكسرة. فيما بعد قال إنه لا يعتبرها رواية بالكامل، لأن ما أراده هو عرض نماذج بشرية من الحياة، أكثر مما كان يفكر في كتابة رواية. لكنها هي بالذات من أطلقت اسمه ككاتب، مع أنه وضعها كاملة خلال ثلاثة أسابيع فقط. كان يومها يعمل في شركة التلغراف، ومن بيئة عمله هذه كتب قصة اثني عشر ساعي بريد يعرفهم شخصياً، وكان كل منهم عالماً مختلفاً حتى أن بينهم أجانب.
بين أعماله كلها يعتبر أنه في هذا العمل وحده اشتغل بجد ونشاط ومثابرة. كان يعتقد أن على الكاتب أن يعمل ثماني ساعات على الأقل في اليوم حتى يستطيع أن ينجز. لكنه اشتغل عليها طوال النهار من الصباح حتى المساء، لدرجة إرهاق نفسه، لذلك أنجزها خلال ثلاثة أسابيع هي مدة إجازته السنوية.
فيما بعد اكتشف أن العمل ساعتين أو ثلاثاً في اليوم كافٍ، في نهايتها يقول: سأتوقف الآن وأكمل غداً.
madanbahrain@gmail.com