مجتمع وشرعيّة دوليّان حقيقيّان
عبد اللطيف الزبيدي
ما هي أفضل طريقة لتصوير ما حدث في الجمعيّة العامّة؟ الصورة غير معبّرة إذا قلنا: إن 128 عارضوا قرار ترامب وتسعة أيّدوه. الممتنعون هم خارج الحساب الفاعل. لكي ندرك أبعاد هبّة المنظمة لاستعادة مكانتها، علينا الاستعانة بالجرافيك: لنقل إن متوسط قامات الأعضاء، المصوتين 170 سم، فإن ارتفاع قامات 128 مندوباً، وقد أصبحوا رجلاً واحداً، سيكون 217 متراً، بينما طول الرجل الذي سيمثل التسعة الذين أيّدوا الرئيس الأمريكيّ لا يزيد على 15 متراً. هذا ما هال«هيلي»، ممثلة واشنطن، فانسحبت قبل التصويت.
في ميزان المقارنة، لا يبلغ رجل الباطل حتى ركبة رجل الحق، بل هو دون ربلة الساق. هكذا هو المساق. هل أدرك مندوب «إسرائيل» معنى قوله في كلمته إن«مآل التصويت مزبلة التاريخ»؟ القيم العليا والأخلاق السياسية والسيادة وكرامة الشعوب التي تمثلها 128 دولة، هي أن تُغتصب الحقوق، وإلاّ فإن مكانها سلّة مهملات التاريخ. السيدة«هيلي» ترى مواقف الدول مجرّد سوق بضائع: «نحن ندفع الكثير، وفي النهاية يصوتون ضدّنا». أي أن على الدول أن تبيع استقلال مواقفها سلعة مقابل المساعدات. رجل الأعمال ترامب يفكر تجاريّاً في السياسة الدولية: «فليصوتوا ضدنا، ذلك لا يعنينا، فسوف نوفّر مبالغ المساعدات».
تصويت الدول ضده مصدر اقتصاد وادّخار.
ثمّة أمر عظيم كل العظمة، كان حلماً بعيد المنال، ولم يكن في إمكان أيّ رئيس أو كتلة تحقيقه للعالم، وللعالم العربيّ بالذات، غير ترامب. إنها المعجزة التي تدفع بها الأقدار وفلسفة التاريخ، شخصاً ما إلى اتخاذ قرار لم يكن يقصده أو يحسب لنتائجه أيّ حساب، فيؤدي إلى تصحيح أوضاع ظالمة. لقد قضى الرئيس على أكذوبة ما كان يُسمى «المجتمع الدوليّ»، وما كان يدعى «الشرعيّة الدوليّة». لقد كانت هذه المسمّيات الخادعة أشباحاً دراكولية ترتعد لها فرائص أدمغة الإنسانية، وتفترس قناعاتها. حين زالت الغشاوة عن عيون الأذهان، نهضت قامة إنسانية الجمعية العامة، فأدركت البشرية أن «المجتمع الدوليّ»، الذي كان له هدير صاخب في الكواليس، بمؤثرات صوتيّة صاعقة، لم يكن سوى واشنطن و«تل أبيب» وعدد أصابع اليد من الدول المجهريّة النكرة، مع حفظ الألقاب. هو ذا المجتمع الدوليّ الحقيقيّ يتجلى وإلى جانبه الشرعيّة الدوليّة، ويعلنان جهاراً للعالم أن الإنسانية ليست للبيع والشراء، وأن أغلبية الدول لا يمكن أن تقف في الزاوية الخطأ من التاريخ.
لزوم ما يلزم: النتيجة الضرورية: منظمة الأمم هبّت لتقول للحق الإنسانيّ إنك على حق، فهل تصحو الجامعة العربيّة لترى قامتها وعنفوانها في مرآة التاريخ؟
abuzzabaed@gmail.com