مدينة ألعاب الأمة
عبد اللطيف الزبيدي
في العيد، لا حديث إلاّ عن المسرّات، فالأمة في أوج إبداعها وعطائها. أنظار العالم مشدودة إليها، لا شغل لها بغير الأمة.
الأمة، التي لم تقل لنا العربية من أي جذر لغوي هي مشتقة، تحب المرح وحياتها مدينة ألعاب. سخية، لا تحرم مخلوقاً اللعب، حتى لو رام اللعب بمصيرها. هوايتها التأرجح، حتى جعلته مبدأ. الاقتصادات تتأرجح، التنمية أرجوحة، سيزيفيّة أحياناً، أو كجلمود صخر حطّه السيل من علِ، وما أكثر السيول. مواهب الابتكار كثيرة، فحين تنضب السيول، تتسلى بالزحليقة. مناهج التربية والتعليم أيضاً تتأرجح، كما لم تقل الأغنية: «تعليم الناس لا بيقدم ولا يؤخر». القضية مبنية على حكمة، وهي أنك كلما ازددت علماً، أدركت أن ما تجهله أعظم. قس على ذلك سائر الميادين. في العربية سند، فالأرجوحة مشتقة من ثلاثي «ر ج ح»، ومنه الرجحان والعقل الراجح.
مدينة الألعاب لا تحتاج إلى تفكير وتركيز. الألعاب الاستراتيجية مزعجة. خذ الشطرنج مثلاً، لقد سمعت الأمّة قول أينشتين: «بطل الشطرنج شخص ذو دماغ قدراته خارقة، يضيعه أمام رقعة بدلاً من تسخيره في أمور أهمّ بكثير». أخطر من ذلك مقولة سيجموند فرويد: «محزن جداً أن الحياة تشبه لعبة الشطرنج، حيث حركة خاطئة واحدة، تجعل اللاعب ينسحب، مع خطورة أنه في الحياة لا يستطيع حتى التفكير في مباراة تعويضيّة». مدينة الألعاب أسلم إذاً. الأمة حكيمة تعلم أن موازين القوى لا تسمح لها، على رقعة الجغرافيا السياسية، بممارسة الألعاب الاستراتيجية. قطع الشطرنج لا تستطيع تغيير قواعد اللعبة، فهذا شأن اللاّعبين. ألم يقل السادات «إن 99% من مقاليد القضية المركزية في يد الولايات المتحدة»؟، «أرى العنقاء تكبر أن تُصاداَ.. فعاند من تطيق له عناداَ». عشق التراث يوجب الامتثال، وإلا انطبق على الأمة قول القائل: «كناطح صخرة يوماً ليوهنها.. فلم يُضِرْها وأوهى قرنه الوعلُ».
مدينة الألعاب ظريفة، عميقة في علم النفس، فهي تنعشك بالعودة إلى براءة الطفولة، فتتخلّص من أعباء التفكير في عبث الأقوياء على المسرح العالميّ، بتقسيم البلدان وتشريد المجتمعات، ونهب الثروات. لا تصدق القائل إن قوة الحق فوق حق القوة، فالقانون الدوليّ في أيدي الأقوياء، وآلة الإعلام الجبّار رهن إشارتهم. أمّا لماذا لم تفكر الأمّة في الجمع بين قوة الحق وحق القوة، وأن تكون لها قوة ناعمة وقوة صلبة معاً، وألف لماذا ولماذا، فلأنها تفرّغت منذ زمن بعيد لمدينة الألعاب، حتى صارت هي ذاتها مدينة ألعاب.
لزوم ما يلزم: النتيجة الترفيهية: الأمّة هي مدينة الألعاب وهي التي تدفع تذاكر اللاعبين بها. وكل عيد وأنتم بخير.
abuzzabaed@gmail.com