قضايا ودراسات

مذهبان يهوديان عمادهما النساء ووقودهما المال

احتدم الخلاف مؤخراً بين مذهبين في الدين اليهودي هما المذهب الأرثوذكسي المحافظ والمذهب الإصلاحي الليبرالي. المذهب الأول مقره لدى الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا والآخر في الأحزاب المتدينة المتحالفة مع نتنياهو في حكومته. كان الملياردير اليهودي الأمريكي العجوز شيلدون ادلسون ملك كازينوهات لاس فيجاس الذي يعد ثامن ملياردير في العالم بثروة تقدر بأربعين مليار دولار هو عرَّاب التيار الإصلاحي الذي دخل في مفاوضات مع نتنياهو للسماح لليهود الإصلاحيين بالصلاة أمام حائط البراق بشكل مختلط، لكن نتنياهو تراجع عن القرار تحت ضغوط أحزاب اليمين الديني في حكومته التي ما زالت تناهض الاختلاط حتى إنها تطالب بالفصل بين الجنسين في الجامعات وترفض تجنيد الفتيات. نتنياهو اختار بقاءه السياسي في الحكومة على سخاء المساعدات من اليهود الأمريكيين التي تقدر بمليار دولار سنوياً، إضافة إلى أن يهود أمريكا هم المستهلك الرئيسي للصادرات «الإسرائيلية» إلى أمريكا وتقدر بمئات الملايين، وهم يشترون أكثر من ثلثي سندات الخزينة «الإسرائيلية»، بمعنى آخر هم الممول الأول للكيان ويمارسون الضغوط السياسية والإعلامية لدعم «إسرائيل» في الولايات المتحدة ويدربون أبناءهم على الحياة الاستيطانية بإرسالهم في جولات شبابية إلى الأرض المحتلة ويتدربون على السلاح أيضاً. ورغم أهمية هذه الجاليات إلا أن نتنياهو باعها لمصلحة بقائه في الحكومة وبدأ يتلقى تهديدات عبر المحيط الأطلسي ومن اللوبي اليهودي (ايباك) بوقف التبرعات والدعم السياسي.
هذا الخلاف هو الأشد بين التيارين أو المذهبين، فالتيار الإصلاحي يرى أن الطقوس اليهودية القديمة عفا عليها الزمن ويجب تكييفها مع الحاضر مثل السماح بالزواج المختلط من أديان أخرى واستخدام آلات موسيقية وميكروفون والكهرباء في صلاة يوم السبت والتوجه إلى المعابد بالسيارات وأداء الصلاة المختلطة مع النساء والسماح للنساء بترؤس الصلاة، وهذا كله محظور لدى المذهب الأرثوذكسي، فهم يرون أن المرأة نجسة وأن الزواج المختلط يهدد بانخفاض عدد اليهود، وأن استخدام الكهرباء والموسيقى أيام السبت حرام. وقد التزمت «إسرائيل» قانونياً بمحرمات المذهب الأرثوذكسي حيث يلعب الكهنة دوراً مؤثراً في الحياة العامة والخاصة والسياسية. فهم يطلبون التصويت لمن يؤيدونهم في الانتخابات ويعتبرون من يخالفهم كافراً، وخارجاً عن الشريعة اليهودية،بالضبط كما تفعل بعض الأحزاب المتأسلمة، وهم ينبذون المرأة ويتفادون الاختلاط بها في المواصلات العامة ويرفضون تجنيدها عسكرياً، ويتحجج كثير من الشبان في الكيان بنسبة تصل إلى 15 في المئة بالتدين والتفرغ للدراسات الدينية لتبرير عدم التحاقهم بالخدمة العسكرية. ومع هذا التزمت والتدين إلا أن أكثر الجرائم الأخلاقية تحدث في الوسط الأرثوذكسي المتدين حيث ترتفع نسبة سفاح القربى والتحرش الجنسي بالأطفال واعتداء الكهنة على النساء والفتيات والفتية. وتشير إحصاءات الشرطة إلى أن واحداً من بين سبعة من الأطفال اليهود يتعرض لاعتداء جنسي في العائلة، وقد اعتقلت الشرطة العشرات من المتدينين بهذه التهم وعدداً من الحاخامات أيضاً اتهموا بالتحرش بفتيات وفتية في مدارس للمتدينين وتعتقد الشرطة أن حجم الجرائم أكبر لأن الحاخامات يتكتمون على مرتكبيها ويحلونها على طريقتهم بسرية دون إبلاغ الشرطة.
كبير المتبرعين الإصلاحيين للكيان وللاستيطان وهو ادلسون تباعد مؤخراً عن نتنياهو لأن الأخير نكث بوعده بالسماح للإصلاحيين بالصلاة بحرية أمام حائط البراق، وظهر ادلسون في حفل للتبرع لكيلة طب يعتزم المستوطنون إقامتها في مستوطنة ارييل جنوب نابلس حيث تبرع وزوجته بمبلغ 25 مليون دولار لكنه تعمد تجاهل نتتياهو ولم يذكر اسمه في خطابه.يذكر أن ادلسون أصدر صحيفة «إسرائيل اليوم» خدمة لنتنياهو لمواجهة الصحف الوسطية واليسارية التي تهاجم اليمين وهي توزع مجاناً، لكن ادلسون استاء من تسريبات مكالمة في التحقيق عن الفساد مع نتنياهو جرت بين صاحب صحيفة «يديعوت أحرونوت» ونتنياهو وعد الأخير فيها صاحب «يديعوت» بعرقلة صحيفة «إسرائيل اليوم» وهذا أدى إلى استدعاء الزوجين ادلسون للمثول أمام الشرطة للإدلاء بشهادتيهما ورفض الزوجان الأمر لعدة أشهر لكنهما أدليا بشهادتيهما بعد زيارة ترامب لتل أبيب.
عملياً المعركة لم تنته بين المذهبين،لأن التيار الإصلاحي الخارجي لم يستخدم أسلحته المالية والسياسية بعد وهو يهدد بوقف حملته ضد الحملة الدولية لمقاطعة «إسرائيل» ووقف التبرعات السخية. لكن في النهاية ستكون الغلبة لمن هم وراء البحار لأن نتنياهو بدأ يغرق سياسياً مع اقتراب توجيه التهم إليه بالفساد خلال هذا الصيف.
حافظ البرغوثي
hafezbargo@hotmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى