غير مصنفة

مسؤولية أوروبا عن «العبودية» في ليبيا

جوناثان فنتون – هارفاي*

كشفت التقارير عن مراكز الاعتقال الفظيعة في ليبيا، أن هناك حالة إنسانية طارئة. والمجتمع الدولي – خصوصاً الاتحاد الأوروبي – أخفق في معالجة المشكلة، ولكن أوروبا هي المسؤولة أساساً عن التسبب بها.
بعد أن غرقت ليبيا في الفوضى إثر عملية حلف الأطلسي العسكرية لتغيير النظام، أصبحت مركزاً رئيسياً للاتجار بالمهاجرين القادمين من إفريقيا واستعبادهم.
وبالنسبة لمئات الآلاف من أولئك الذين يفرون من مناطق تمزقها الحروب في إفريقيا، تعتبر ليبيا نقطة استراتيجية ينطلقون منها إلى ملاذات آمنة في أوروبا. غير أن أولئك الذين يخفقون في الوصول يواجهون ظروفاً مماثلة لتلك التي فروا منها في بلدانهم، حيث تحتجزهم سلطات ليبية تنفيذاًًًً لاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وحكومة الوفاق الوطني في ليبيا. ويقضي هذا الاتفاق بأن يوقف حرس السواحل الليبي مراكب المهاجرين التي تغادر الساحل الليبي. وقد وصفت الأمم المتحدة مؤخراً بشكل صحيح هذا الاتفاق بأنه «لا إنساني». وبسبب عدم تضمين هذا الاتفاق ضمانات لحماية المهاجرين، فإنهم أصبحوا يتعرضون إما لتعذيب وحشي، وإساءة معاملة، وحتى لاعتداءات جنسية، من قبل مجموعات مسلحة، وإما أنهم أصبحوا يباعون كعبيد من قبل مهربين عديمي الضمير.
وقد أظهر تحقيق لشبكة التلفزة الأمريكية «سي إن إن» فظائع هذا الاتجار بالبشر، حيث يعامل مهاجرون مثل قطعان، ويباع الواحد منهم بثمن لا يزيد على 400 دولار. وفي بعض الأحيان، ينتقل هؤلاء «العبيد» من ملكية «سيد» إلى آخر.
وأفاد آخرون اطلعوا على الوضع ميدانياً أن مهاجرين في مراكز اعتقال عرضوا علامات على تعذيبهم، وتعريضهم للحرق، وضربهم بالسياط، إضافة إلى انتهاكات أخرى. وأدان الطبيب الإيطالي بييترو بارتولو هذه المراكز ووصفها بأنها «معسكرات اعتقال» ( على النمط النازي ). وقال: «لا بد أن تعرفوا أن الأفارقة المحتجزين في ليبيا لا يعتبرون بشراً، ويعاملون كأناس أدنى يجوز فعل أي شيء بهم».
تبعاً لذلك، يتعين على الاتحاد الأوروبي الآن أن يعترف بمسؤوليته عن هذه الأزمة، وذلك بسبب موافقته عملياً على هذه المعسكرات الهمجية غير القانونية التي أقامتها سلطات ليبية.
غير أن الاتحاد الأوروبي كان لديه هدف جيوسياسي واضح: احتواء المهاجرين بدلاً من مساعدتهم – حتى إذا فاقم ذلك معاناتهم. وبذلك يكون الاتحاد الأوروبي قد استخدم ليبيا – وهي دولة فاشلة – كمكب لبشر بهدف تخلصه من مسألة المهاجرين. وبذلك أيضاً يكون الاتحاد الأوروبي قد تجاهل الحقوق الإنسانية لأولئك الذين احتجزوا في مراكز اعتقال.
وقال الباحث لدى منظمة العفو الدولية ماتيو دو بيلليس: «الهدف الأول للاتحاد الأوروبي هو وقف تدفق اللاجئين عبر البحر المتوسط، وذلك عن طريق دفع سلطات ليبية إلى التعاون معه ووقف تدفق المهاجرين. ومن أجل هذه الغاية، قدم لحكومة الوفاق الوطني تمويلات، وعتاداً، وتدريبات، من دون أي اعتبار للحقوق الإنسانية لهؤلاء الناس». وأضاف: «تصميم الاتحاد الأوروبي على منع هؤلاء الناس من الوصول إلى أوروبا يعني أنه مستعد لترك المهاجرين يعلقون في ظروف جهنمية في مراكز الاعتقال في ليبيا».
وقال دو بيلليس إن الاتحاد الأوروبي ملزم وفق القانون الدولي بضمان الحقوق الإنسانية لهؤلاء المهاجرين وعدم انتهاكها، كما يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يقدم دعماً إلى ليبيا والمنظمات الأهلية الدولية من أجل ضمان سلامة المهاجرين وعدم تعرضهم لانتهاكات.

*باحث في التاريخ والشؤون السياسية في جامعة إكستر – موقع «كاونتر بانش»

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى