قضايا ودراسات

مسؤولية الأمم المتحدة إزاء المأساة الفلسطينية

د. عبد الحسين شعبان

أعاد إضراب الأسيرات والأسرى الفلسطينيين التساؤلات القديمة الجديدة حول مسؤوليّة الأمم المتحدة إزاء مأساة الشعب العربي الفلسطيني، خصوصاً وقد سبقه قرار للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس بسحب تقرير «الإسكوا» الخاص ب«الممارسات «الإسرائيليّة» تجاه الشعب الفلسطيني، ومسألة الأبرتايد» وبسببه قدّمت ريما خلف الأمينة العامة التنفيذية السابقة لل«إسكوا» استقالتها، بعد أن أشارت بإصبع الاتهام إلى القوى المتنفّذة التي مارست ضغوطاً على الأمين العام لاتخاذ هذا الإجراء.
وبغض النظر عن تقرير «الإسكوا» (المسحوب) فإن «إسرائيل» عملت منذ قيامها على تأسيس نظام فصل عنصري «أبرتايد» يهدف إلى تسليط جماعة عرقيّة على أخرى. حيث تُعرّف قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان جريمة الفصل العنصري بأنّها «أية أفعال لا إنسانيّة ترتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والهيمنة المبرمجة، من جانب جماعة عرقيّة واحدة إزاء أيّة جماعة أو جماعات عرقيّة أخرى، وترتكب بنيّة الإبقاء على ذلك النظام».
وإذا كان نظام الفصل العنصري قد انقرض على الصعيد العالمي بعد نهاية نظام جنوب إفريقيا ونظام ناميبيا (جنوب غربي إفريقيا)، فإنّ رحيلهما لم يُبطِل وجود أنظمة عنصريّة أخرى، وهو ما حاول تقرير «الإسكوا» تأكيده، من خلال وقائع وممارسات تخضع للتعريف المذكور، وتقوم بها «إسرائيل».
الدليل الذي حاول تقرير «الإسكوا» الاستناد إليه، هو الوضع المأساوي والتمييزي الذي يعيشه الشعب العربي الفلسطيني في كلّ مكان، سواء في الداخل «الإسرائيلي» أو ما يطلق عليه «عرب ال 48»، فهؤلاء يخضعون ل«القانون المدني» مع قيود خاصّة، ويبلغ عددهم أكثر من مليون وسبعمئة ألف نسمة. أمّا الذين يعيشون في مدينة القدس فيطبّق عليهم قانون «الإقامة الدائمة» ويربو عددهم على ثلاثمئة ألف فلسطيني.
ويطبّق على الفلسطينيين الذين يعيشون منذ العام 1967 تحت الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزّة أو مخيّمات اللجوء «القانون العسكري» ويبلغ عددهم اليوم ستّة ملايين وستمئة ألف فلسطيني، أكثر من ثلثيهم في الضفّة، والبقيّة في القطاع.
والقسم الرابع من الفلسطينيين خارج «إسرائيل» وهؤلاء متضرّرون أيضاً من قوانين الفصل العنصري، ومحرومون من حقّهم في العودة، طبقاً للقرار 194 لعام 1948، لأن «إسرائيل» تعتبر عودتهم تهديداً ديموغرافياً لها، وهي التي تخشى «القنبلة الديموغرافية الفلسطينيّة». إنّ هذه الفضاءات التمييزيّة الأربعة، إضافة إلى محاولة «إسرائيل» تكريس نفسها كدولة «يهوديّة أحاديّة التكوين» خصوصاً، بغياب مبادئ المساواة والعدالة، تلك التي تضع ممارساتها في خانة الفصل العنصري، فماذا ستقول الأمم المتحدة بشأن التعريف الدولي للأبرتايد ؟ الذي يرتكز على عنصرين أساسيين هما:
الأول، الانتماء إلى جماعة عرقيّة يشملها التمييز والاضطهاد.
والثاني، حدود وخصائص الجماعة العرقيّة، والمقصود هنا وضع الفلسطينيين الذين لهم الحق في تقرير المصير، طبقاً للعهدين الدوليين الصادرين عن الأمم المتحدة، العام 1966، وقد أشار إلى ذلك قرار محكمة العدل الدوليّة في لاهاي العام 2004، بخصوص الآثار القانونيّة الناشئة عن تشييد جدار الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة.
ويبدو أنّ الأمم المتحدة تقف منذ فترة ليست بالقصيرة عاجزة أمام تغوّل القوى المتنفّذة وتنكّر «إسرائيل» إلى قراراتها. وإلّا كيف تُصدر قرارات تدعوها للانسحاب من الأراضي المحتلّة عام 1967 (القراران رقم 242 لعام 1967 و338 لعام 1973) في حين أنّ الأخيرة تتمادى في تجاهلها لدرجة أنّ الكنيست اتخّذ قراراً العام 1980 بضمّ القدس، وقراراً آخر في العام 1981 بضمّ الجولان، ولم تأخذ الأمم المتحدة أي خطوات عمليّة رادعة، أو من شأنها مساءلة المرتكب جرّاء خرقه المستمر لقواعد القانون الدولي، وتهديده للسلم والأمن الدوليين وفي المنطقة.
وإذا كان الأمين العام جوتيريس قد استجاب لضغوط القوى المهيمنة وسحب تقرير «الإسكوا»، فكيف سيتعامل مع قرارين دوليين تمّ اتخاذهما من جانب جهتين دوليّتين رفيعتي المستوى؟ الأول من منظّمة اليونيسكو في 18 أكتوبر(تشرين الأول) 2016 ، يعتبر الأماكن المقدّسة في القدس من تراث العرب والمسلمين. والثاني من مجلس الأمن الدولي في 23 ديسمبر(كانون الأول) 2016 يطالب «إسرائيل» بوقف الاستيطان، الذي هو جريمة دوليّة يعاقب عليها القانون الدولي.
وإذا كان يجدر بالعرب ودولهم انتهاز فرصة إضراب «الأمعاء الخاوية»، الذي استمر أكثر من 40 يوماً وصدور قرارات دوليّة مهمّة، شنّ حملة دبلوماسيّة وقانونيّة لمساءلة المرتكبين «الإسرائيليين» ومن ثمّ تجريمهم ؟ فإن ذلك يقع في صلب مسؤولية الأمم المتحدة.
ويمكن للمجتمع المدني العالمي أن يُسهِم فيها، وهو الذي سبق له أن اتّخذ قراراً تاريخيّاً بمشاركة نحو 3000 منظّمة دوليّة في المؤتمر العالمي ضد العنصريّة المنعقد في «ديربن» (جنوب إفريقيا) العام 2001، حيث دمغ الممارسات «الإسرائيليّة» بالعنصريّة.

drhussainshaban21@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى