قضايا ودراسات

مستقبل «إسرائيل» الغامض

نبيل سالم

قد يرى البعض في الحديث عن مستقبل «إسرائيل» و حتمية انهيارها، أمراً مبالغاً فيه، بل وعاطفياً أيضاً، فدولة نووية، ومتقدمة علمياً، تحظى بدعم قوي من القوى الغربية الاستعمارية، يستحيل انهيارها بنظر هؤلاء، الذين يدعون الواقعية، لكن الحقيقة تبدو غير ذلك تماماً، لأسباب كثيرة، لعل أهمها تلك التغيرات الجيوسياسية، التي طرأت على المنطقة، بعد إقامة المشروع «الإسرائيلي» العنصري الاحتلالي في فلسطين.
فكما هو معروف، عندما أقيمت «إسرائيل» على أنقاض الوطن والشعب الفلسطينيين، كانت معظم الشعوب العربية، إما تحت الاحتلال الأجنبي، وإما أنها مستقلة حديثاً، وبالتالي فإن قوة «إسرائيل» في بداية مشروعها العنصري كانت مستمدة من الضعف العربي، وأكبر دليل على ذلك أن الدول العربية التي خاضت حرب عام 1948 مجتمعة لم تستطع حشد أكثر من عشرين ألف مقاتل، في وجه أكثر من ستين ألف مستوطن «إسرائيلي»، سلحوا بأحدث الأسلحة في ذلك الوقت. كما أن حرب 1948 داهمت شعباً كان يرزح تحت الاحتلال البريطاني، وممنوعاً عليه حمل السلاح، أي أنها حاربت شعباً مجرداً من الأسلحة، ناهيك عن الجهل والتخلف والفقر الذي كانت تعانيه الشعوب العربية، في ذلك الوقت؛ ولذلك لا غرابة في أن تفسح المجازر التي ارتكبها المستعمرون «الإسرائيليون»، كمجزرة دير ياسين وكفر قاسم وغيرهما، المجال أمام جحافل العصابات اليهودية، المغطاة استعمارياً، نظراً لترابط المصالح بين المشروع «الإسرائيلي» والمشاريع الاستعمارية الغربية.
لكن الصورة تختلف تماماً في يومنا هذا عن تلك الصورة القاتمة التي كانت سائدة، مع بدايات المشروع «الإسرائيلي» العنصري في فلسطين، رغم كل ما يعانيه الواقع العربي من شرذمة و انقسامات كثيرة؛ لأن الرهان الحقيقي الآن مرتبط بالشعب الفلسطيني، صاحب الحق المقدس في فلسطين، حيث ثبت في أكثر من مئة عام من الصراع، منذ مؤتمر الحركة الصهيونية في بال عام 1897، استحالة القضاء على هذا الشعب، زد على ذلك، أنه الآن يمثل أكبر تحدٍّ ديمغرافي وسياسي وثقافي للاحتلال، رغم كل المجازر «الإسرائيلية»، التي ارتكبت بحقه، خاصة في ظل مستوى التعليم العالي الذي يتميز به الشعب الفلسطيني، الذي ينعكس على أسلوبه في المقاومة والتعامل مع الاحتلال، كما أن أهم النظريات التي اعتمدتها «إسرائيل» في حروبها مع العرب، وهي نظرية القوة وخوض الحروب أونقلها إلى أراضي «العدو»، حسب التعبير «الإسرائيلي»، سقطت مع الزمن، وتراجع مفعولها مع تآكل قوة الردع «الإسرائيلية»، باعتراف قادة الطغمة العسكرية في «إسرائيل»؛ حيث بات بإمكان المقاتل العربي أن يطال بقذائفه عمق «إسرائيل»، بما يمثله ذلك من تحدٍّ، يسهم في تراجع ثقة «الإسرائيليين» بقدراتهم.
ومؤخراً حذر ثلاثة من كبار الجنرالات «الإسرائيليين» من سيناريوهات قاتمة تحيط بمستقبل «إسرائيل»، في ظل ما وصفوه ب«الفجوات الكبيرة بين مختلف مكوناتها الاجتماعية»، معتبرين ذلك أكثر خطراً من حرب تقليدية قد تشن عليها.
ويقول الكاتب أهارون لابيدوت، الذي أجرى الحوارات مع يتسحاق نير وأريك تشيرنياك، من كبار ضباط سلاح الجو، وميشكا بن دافيد أحد كبار رجال الموساد السابقين، أن الثلاثة «أصدروا في السنوات الأخيرة عدة كتب تحاكي أخطر السيناريوهات المتوقعة التي قد تهدد «إسرائيل»، والقاسم المشترك بينها هو التوقعات الصعبة القاسية على مستقبل الدولة، وصولاً لما يشبه تهديداً وجودياً عليها».
وينقل ميشكا بن دافيد، رجل الموساد «الإسرائيلي» السابق، في كتابه «سمك القرش» رواية عسكري «إسرائيلي» يعمل في معبر بيت حانون (إيريز)، حيث يقول: «رؤوبين أحد حراس معبر إيريز شمال قطاع غزة يتحدث مع ضابطه المباشر على الهاتف، قائلاً: أرى نساء، أطفالاً، أمواجاً كبيرة من البشر، آلافاً يأتون من داخل الظلام، حتى لو أطلقت عليهم كل مخازن الذخيرة التي بحوزتي فلن أوقفهم؛ لأنهم خلال دقيقة واحدة سوف يدوسون عليّ، وليس لدي أوامر بإطلاق النار، ولم يتحدث معنا أحد من كبار الضباط عن سيناريو اجتياح بشري من هذا النوع».
وإذا ما تمعّنا في ما قدمه الكاتب «الإسرائيلي» أهارون لابيدوت، من خلال مقابلته مع الضباط «الإسرائيليين»، قبل أشهر، نلاحظ أن الضباط «الإسرائيليين» الثلاثة، أجمعوا على أن «إسرائيل» ستجد نفسها بعد بعض الوقت على حافة الهاوية، في وقت تتزايد فيه بشكل ملحوظ عوامل الصمود الفلسطيني، رغم كل حالات الإحباط التي يخلفها الواقع العربي المأزوم.

nabil_salem.1954@yahoo.com

زر الذهاب إلى الأعلى