قضايا ودراسات

مستوطنات فكرية

خيري منصور
المستوطنات ليست فقط على غرار تلك التي تشيدها سلطات الاحتلال في فلسطين من أجل قضم الأرض وتهجير أهلها، فهناك مستوطنات إيديولوجية تتسلل إلى الثقافة والعقول، وأحياناً إلى النصوص والمرجعيات المقدسة، وقد لا تقل خطورة في نتائجها عن أي استيطان آخر.
والكتب التي كانت ذات يوم الأكثر رواجاً ومبيعاً حققت ذلك بفضل الأمية والتجهيل الممنهج، ومنها كتب سعى مؤلفوها إلى التحريف والتلاعب بالدلالات كي تلبي أهدافهم، وإذا لم يبدأ تحرير الخطاب الديني وتطهيره من مراجعة تلك الكتب فإن المشروع برمته يصبح مبتوراً، ويبدأ من الخاتمة وليس من أول السطر.
ولأن لغتنا العربية غنية بالمجاز والمترادفات فإن إمكانية التحريف تصبح أكبر، إذا توفر لها فقهاء في الحذف والإضافة وفنون التقويل لا التأويل!
وقد يتساءل البعض عن المعايير التي يجب الاحتكام إليها لفرز القمح عن الزؤان، والأصيل عن الدخيل.
والإجابة باختصار هي أن مثل هذه المعايير قائمة ولسنا بحاجة إلى اختراعها؛ لأنها من صميم المنطق والعقلانية.
فكيف يمكن للخرافات أن تعيش في سياق عقلي؟ وهل يصبح جديراً بالقداسة ما تمت إضافته في أزمنة الانحطاط وتحت ظلال حكم أجنبي كان رهانه الدائم على التجهيل واصطناع كل ما يعوق تنمية الوعي لدى ضحاياه.
إن ما يقدم الآن من نموذج ملفق للإسلام هو على النقيض منه؛ لأن بث ثقافة الكراهية والإقصاء هو على النقيض من التسامح والتبشير بالتعايش رغم التعدد، وليس عسيراً على أصحاب الاختصاص وضع حد لهذه المتوالية الاستيطانية السوداء التي تتسلل إلى النصوص، وتطلق للخيال العنان كي تخلط حابل الحقيقة بنابل الوهم.
وقد آن الأوان لمجابهة الاستيطان الإيديولوجي بعد أن أوغل في الابتزاز، واستخدام الدين لخدمة السياسية؛ بحيث أصبح تداخل تسييس الدين مع تديين الدولة هو الثغرة التي يتسلل منها فقهاء الظلام!
إن لدى الإسلام دفاعات باسلة حتى لو كانت هاجعة في المرجعيات ضد التحريف والتقويل المتعسف والاستدراج نحو الباطل تحت شعارات الحق وباسمه.Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى