مصالحة بين رحى الصواريخ والطائرات
حافظ البرغوثي
دخلت المصالحة الفلسطينية نفقاً ولم تخرج منه حتى الآن، منذ تفجير نفق حركة الجهاد الإسلامي على حدود غزة، حيث هددت الحركة بالانتقام من الاحتلال لكن حركة حماس تدخلت بقوة وطلبت من الجهاد التهدئة وعدم الرد، إلا أن نتائج حوار القاهرة المتواضعة، ومحاولة المضي قدماً في تنفيذ بنود المصالحة اصطدمت بتنامي الرفض في صفوف حركة حماس لتنفيذ ما يسمى تمكين حكومة الوفاق من إدارة شؤون غزة، ورفضها السماح للحكومة بمزاولة أعمالها وإعادة طواقمها إلى الوزارات. وهنا التقت مصالح المعسكر الذي يضم التيار المتشدد في حماس مع الجبهة الشعبية وحركة الجهاد، والأخيرة لا تمارس السياسة وتعارض المصالحة وترفع لواء الجهاد وهي الآن اكثر ارتباطاً بالموقف الإيراني الداعم لها مادياً ومعنوياً.
وقد اكتسب التيار المعارض للمصالحة في حماس زخماً بتبنيه قضية موظفي حكومة حماس بدلاً من الشعار السابق وهو التمسك بسلاح المقاومة، لأن شعار الموظفين يكسبه دعماً في الشارع، مع العلم أن موضوعهم يخضع طبقا لبنود المصالحة إلى لجنة إدارية فنية تبحث أوضاعهم لتجد له الحلول، وتنتهي مهلة اللجنة لحسم مصيرهم في فبراير/شباط المقبل.
وبعيداً عن تفاصيل قضية الموظفين يبدو أن الوضع الإقليمي بات اكثر تأثيراً في مسيرة المصالحة مما كان في السابق، حيث لعبت إيران وسوريا دوراً حاسماً في إفشالها، ثم تولت قطر وتركيا هذه المهمة لاحقاً. ومع تضاؤل الدور القطري برز مجدداً الدور الإيراني الذي يحاول الاستحواذ على ورقة المقاومة الفلسطينية ضمن أوراقه في المرحلة الحالية. «إسرائيل» من جانبها، وإن عارضت المصالحة علناً، إلا أنها فضلت عدم العمل ضدها حتى لا تثير غضب مصر وإدارة الرئيس ترامب، وتركت للقوى الإقليمية، وللصراع بين الفصائل الفلسطينية مهمة إفشالها، وهو ما يحدث حالياً، حيث تداركت مصر الوضع وأرسلت وفداً أمنياً إلى غزة لنزع فتيل الأزمة، واجلت مهلة تسلم الحكومة لمهامها حتى العاشر من ديسمبر/كانون الأول، بعد فشل الحكومة في تسلم مسؤولياتها. لكن ما زالت الشكوك قائمة في إمكانية ممارسة الحكومة لمهامها، أو التوصل إلى حل لقضية رواتب موظفي حماس.
وكانت سويسرا أعدت منذ فترة طويلة اقتراحاً بآلية لدفع رواتب من يستغنى عنه من موظفي حماس، ولاحقاً أثناء الحوار في الدوحة اقترحت قطر أن تتولى دفع الرواتب لمدة ما بين أربعة إلى ستة اشهر إلى حين إيجاد حل دائم، ولكن قطر انسحبت من معمعان المصالحة منذ ازمتها مع دول الجوار في الخليج ومصر، وارتضت اللعب من وراء الستار لفرض رأيها عن طريق التيار المقيم عندها في حماس، ولعب هؤلاء دوراً في توتير الوضع قبل حوار القاهرة عن طريق إطلاق تصريحات استفزازية قبل الحوار وبعده.
أما إيران فلها وسيلة أخرى وهي الاعتماد على الجهاد التي لا تعترف ضمن مبادئها إلا بالعمل المسلح وتهدئ الوضع تحت ضغوط شديدة تمارسها حماس عليها، ولكن هل يستطيع التيار المتصالح الاستمرار في هذه السيطرة على الجهاد والتيار المعارض للمصالحة في حماس؟
حركة حماس منذ البدء وضعت خريطة طريق للمصالحة بحيث تنفذ وفقاً لمصالحها وأهدافها، وليس وفقاً للمصلحة الوطنية العليا، وتلقت نصائح خارجية بهذا الشأن، لكن في المقابل لم تضع حركة فتح، أو حكومة الوفاق خريطة موازية، بل ذهب مسؤولو السلطة إلى غزة ومعهم خريطة طريق إلى مطاعم السمك في غزة، أي من دون استراتيجية موحدة للتمكين وعادوا بخفي حنين، وبحسك السمك.
المشهد الآن ما زال قاتماً، ولعل ظهور صاروخ كورونيت الروسي بيد الجهاد في قصف تجمع هندسي للجيش «الإسرائيلي» يعمل في كشف الأنفاق، وبناء سد تحت الأرض لمواجهتها، وهذا يعني أن احتمالات التصعيد قائمة، فالجهاد الإسلامي تملك أسلحة نوعية اكثر من حماس، ولديها صواريخ إيرانية متوسطة المدى، وبنيتها العسكرية اكثر تماسكاً، ولم تشهد هروباً نحو جماعات متطرفة مثلما حدث في حماس، حيث انضم عدد غير قليل من عناصرها إلى جماعات سلفية ومتطرفة في سيناء وفي غزة. وفي آخر عدوان «إسرائيلي» سنة 2014 اضطرت حماس إلى أن تقترض صاروخاً من الجهاد لقصف «تل أبيب» للتأكيد على قدرتها على مواصلة القتال قبل اتفاق التهدئة، وتولت الجهاد القصف باسم حماس. ولهذا نشطت حماس منذ ذلك التاريخ في تصنيع صواريخها، لكن ليس بقوة صواريخ الجهاد التي تعتمد على تهريب أسلحة من الخارج. فالأنفاق العسكرية ما زالت تعمل كما يبدو، رغم قيام السنوار بردم أنفاق كثيرة، لكن تبقى هناك أنفاق استراتيجية لا تمس، وأخرى لتهريب البضائع لبعض متنفذي حماس. فالمصالحة الآن بين صواريخ وأنفاق الفصائل وطيران الاحتلال.. فهل تنجو؟
hafezbargo@hotmail.com