مقالات عامة

مصر ومعركتها ضد الإرهاب

هاشم عبدالعزيز

تواصل القوات المسلحة المصرية عملياتها العسكرية الشاملة في سيناء ضد الجماعات الإرهابية، فالعمليات لم تكن استعراضاً للقوة أو إظهاراً للقدرة، بل هدف للوصول إلى أوكار الجماعات الإرهابية في سيناء وقواعد تحركاتها، لمنع تنفيذ جرائمها الدموية التي تزهق أرواح الجنود في مواقع واجباتهم، والمواطنين في أعمالهم وسكنهم ودور عبادتهم، وتدمير كل ما تطاله أيديهم من منشآت ومرافق ومؤسسات، لها تأثير على حياة الناس وعلى اقتصاد البلاد بأكمله.
جاءت العملية العسكرية الشاملة في سيناء تتويجاً لإجراءات وخطوات أمنية وعسكرية تركزت على الردع في رسالة لم تقرأها الجماعات الإرهابية ومن يدور في فلكها الاستخباري، فقد اعتقدت أن الإجراءات والخطوات التي اتخذت، لن تكون قادرة على ردع مخططها الرامي إلى اختطاف سيناء واللعب بأمن واستقرار البلاد والعباد، إلا أن العملية العسكرية الشاملة التي تجري بنفس استراتيجي ومهارة تكتيكية، نجحت في الوصول إلى هدفها بإعادة الاعتبار إلى سيناء التي أفسدتها هذه الجماعات، من خلال فضح التضليل الذي تقوم به بادعاء الفضيلة، فيما ترتكب أبشع الجرائم الوحشية التي يذهب ضحيتها الأبرياء.
في أسبوعها الأول أحرزت العملية انتصارات كبيرة وإنجازات كثيرة، فقد جرى تدمير عشرات الآليات العسكرية التي تستخدمها الجماعات، وسقط العديد من الإرهابيين في مواقع استهدافهم، وجرى الاستيلاء على مخزونات ضخمة من الأسلحة، لكن الأهم أن القوات المسلحة المصرية تمكنت في فترة قياسية من الوصول إلى أوكار الإرهابيين، وخلال أيام قليلة تم اعتقال قرابة 400 عنصر منهم.
السؤال الآن: لماذا كانت سيناء في هذا الوضع؟
البعض يعيد المسألة إلى حالة الفقر التي وفرت المناخ الملائم لتسويق الإغراءات المالية والتضليلات الدينية، والبعض يعيدها إلى ضعف حضور الدولة، الذي أتاح لجهات استخباراتية تستهدف مصر، الفرصة لإيجاد وضع إرهابي له جماعاته وقياداته وتدريبه وتمويله.
لقد ظلت سيناء لعقود كما لو أنها منسية، وبقيت الكيانات العشائرية والقبلية تقوم بدور استفادت منه دوائر الاستخبارات التي تستهدف مصر وأمنها، وكان أخطر هذه الأدوار التي نفذت منها الدوائر الاستخباراتية، ما جرى في عهد «الإخوان» الذين أخرجوا الإرهابيين من السجون إلى سيناء، لتتحول إلى لغم متفجر أضر بكيان مصر ومكوناتها كافة.
ولعله من هذه الزاوية تتباين المواقف الإقليمية والدولية تجاه ما يحدث في مصر، فهناك أطراف تبدي تأييدها للعملية وتعتبرها خطوة في الاتجاه الصحيح، لوضع نهاية حاسمة للإرهاب بجرائمه الوحشية وتداعياته الضارة بقطاعات الاقتصاد والتنمية في مصر، وهناك من يبارك من واقع معاناته من وطأة هذه الآفة المدمرة، لكن هناك من يحاول ويعمل من أجل ألاَّ تذهب العملية الشاملة إلى أهدافها، وهؤلاء لا يقللون من الإنجازات فقط؛ بل يشككون في أن يحدث إنجاز تكون له انعكاسات فعلية.
وعلى الرغم من أن العملية العسكرية الشاملة في سيناء، تحسب في سياق الحرب على الإرهاب التي تدور في بلدان عديدة، إلا أن لها خصائصها وتفردها، ومن ذلك أنها معركة تنفذها القوات المسلحة الممثلة لكل المصريين، وعلى مختلف مشاربهم الفكرية والسياسية والدينية، لدرجة أن الفتيات المصريات طالبنَ بالانخراط في الجيش والاشتراك في الحرب ضد الجماعات الإرهابية.
ما هو جدير بالإشارة إليه، هو أن الخطاب الذي تتكئ عليه العملية العسكرية ضد الجماعات الإرهابية، ليس مجرد ترجمة للغة القوة؛ بل ترجمة للهدف الذي يجمع عليه المصريون كافة، فمنذ أن بدأت الخطوات في اتجاه تحرير سيناء من الجماعات الإرهابية، كان الخطاب يربط بين ما هو مطلوب أمنياً وعسكرياً، وبين ما هو ملح اقتصادياً وتنموياً واجتماعياً وثقافياً وديمقراطياً، باعتبار أن سلامة وصحة هذه المجالات لا يتوقف عليها مستقبل مصر وحياة أبنائها فقط؛ بل هي الضمان الذي تتحطم عليه النزعات المتحجرة والمضللة.
العملية الشاملة في سيناء انطلقت بعزيمة قوية، وتمضي بخطوات متسارعة نحو تحقيق هدفها المتمثل في إخلاء المنطقة من الإرهاب، بما يمثله من وجود وتركة ثقيلة، وبما تحمله من دلالات الصبر والصمود والثقة المؤكدة بالمستقبل.

* كاتب وصحفي من اليمن

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى