معمّى التنجيم الاقتصادي
عبداللطيف الزبيدي
من أين يأتي الخبراء الكبار بالتنبؤات؟ الأرصاد الجوية الحديثة تستخدم أرقى الحواسيب العملاقة، التي تجري في الثانية مئات التريليونات من العمليات، فهل أدمغة خبراء الاقتصاد هكذا؟ أمّا علماء رصد الزلازل، فلم يعرفوا بكل أجهزتهم المتطوّرة، ولا حتى مرّة واحدة بدقة ساعة الكارثة. اللوحات التكتونية لا تبوح بأسرارها، فجأة تعلن أخبارها.
الأحوال الاقتصادية العالمية «اللي فيها يكفيها»، لكن السادة الخبراء الذين لديهم على ما يبدو خط مباشر مع الغيب الاقتصادي، وهم لا واحد ولا اثنان، يتمتمون ويدمدمون، مثل السحرة والمعبرين في معبد آمون، منذرين بأن الأرض ستضربها أزمة اقتصادية سنة 2020، تجعل دول العالم تترحم على محنة 2008. من لا صلة لهم بوادي عبقر الاقتصاديين، ترتجف ركبهم وترتج أمخاخهم. هؤلاء الخبراء قزّموا مشعوذي التنجيم، جعلوهم هباء منثوراً، لأن أدعياء علم الفلك معروفون بأنهم كاذبون ولا صدقوا، أما الذين بين أيديهم كرة كريستال الاقتصاد، فهم أساتذة متخصصون، بل إن الخوارزميات غدت في صميم الميدان، وليسوا معروفين بأنهم من ذوي الترهات والهرطقات، فالناس يحملون ما يقولونه على محمل الجد«قد شمّرت عن ساقها فشدّوا». هم لا يتحدثون عن أن بقالة في زقاق ستفلس، وإنما النبأ العظيم أن زلزلة اقتصادية مالية ستهز الولايات المتحدة، ومن ثم ينطلق التسونامي نحو جميع القارّات. هذه التنبؤات الكارثية لا ينطبق عليها قول المعري:«إن صحّ قولكما فلست بخاسر..أو صحّ قولي فالخسار عليكما».
هل في الأمر مسؤولية؟ تخيل نفسك أحد ركاب سفينة عملاقة، تايتانيك مضروبة في ألف، والرحلة طويلة، ينبري شخص يبدو عليه الوقار وعلى دراية بالملاحة ليقول: بعد سنتين ستصطدم السفينة بجبل جليد ولن يستطيع أحد إيقافها أو تغيير مسارها. على طريقة «مصائب قوم عند قوم فوائد»، يبشر أحد المنجمين الاقتصاديين أهل حقول النفط بأن البرميل سيحلق عند 150 دولاراً، أمّا العالم فسيكون الوقود.
لزوم ما يلزم: النتيجة الخوفية: المرعب هو أن الأوضاع تسوء في حالتين، حين يشعوذ الجادون، وحين يتوارى قارئو المستقبل.
abuzzabaed@gmail.com