مقالات عامة

مفاهيم لا تقبل القسمة

خيري منصور

هُناك مفاهيم ومنظومة من القيم لا تقبل القسمة إلا على نفسها؛ لأنه ما من نصف شرف أو ربع صدق أو ثلث وطنية. والقبول بقسمة هذه القيم هو الموازي لتقسيم الوطن الواحد وتحويله إلى كسور عشرية طائفية أو عرقية وجهوية!
لكن ما يحدث هو منسوب هذه القيم؛ بحيث تزيد أو تقل بين فرد وآخر، تبعاً للمكونات النفسية والتعليمية والاجتماعية.
وحين يقال إن فلاناً نصف شريف أو نصف وطني، فإن الذهن ينصرف على الفور إلى النصف الآخر؛ وهو تبعاً لهذه الأمثلة خيانة وكذب، وأية مراوغة حول هذا المفهوم هي مهمة مستحيلة؛ لأنها أشبه بالبحث عن نصف ثالث غير موجود!
وقد يبدو مثل هذا الطرح راديكالياً؛ لكنه في الحقيقة ليس كذلك؛ لأنه منطقي أولاً وأخيراً، والتهاون معه تفكيك منظومة كاملة من القيم المتوارثة، والتي لولاها لما كانت هناك هويات وأوطان.
لهذا تبدو المقاربات التي تسللت إلى الثقافة الوطنية والتي تبشر بعولمة معكوسة، أقرب إلى حملات كولونيالية جديدة مهدّ لها استشراق سياسي وعسكري في العقدين الأخيرين، والمتضررون من مثل هذه الأطروحات هم أصحاب الهويات المهددة، والذين لم تستقر دولهم وأوطانهم وتنجو من استراتيجية رسم الخرائط والتضاريس السياسية وفقاً لموازين قوى جديدة إن لم نقل طارئة!
وليس من حق غلاة المبشرين بالعولمة وحذف الحدود والفواصل والخصوصيات التاريخية والجغرافية والثقافية، أن ينعتوا من يتصدون للدفاع عن هوياتهم بالشوفينية!
اللهم إلا إذا كانت الثقافة السياسية السائدة الآن تتيح ذلك، على طريقة استخدام عبارات مبهمة كالإفراط في استخدام القوة؛ لأننا لا نعلم كم هو المسموح به دولياً وقانونياً من استخدام القوة ضد شعب أعزل! وعلينا كقرّاء أولاً أن ننتبه إلى التلاعب بالمفردات بهدف تعميق الالتباس وخلط الأوراق، ولا نتصور أن هناك حاسوباً قومياً ذكياً أو غبياً يناط به تقسيم المبشر إلى أنصاف بحيث يكون صادقاً وكاذباً معاً!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى