مفاوضات السويد..أمل اليمنيين
حسن العديني
بالنسبة للحرب لا تعد 12 شهراً مدة قصيرة، وفي الحروب الحديثة على وجه الخصوص يحسب الوقت بالساعات والدقائق، من الناحية الفنية واللوجستية، فإن الأهداف تتحرك بسرعة، وكذلك تمضي الأسلحة بالسرعة ذاتها أو بأكثر منها، ومن ناحية التكاليف فإنها باهظة بما لا تجوز المقارنة مع أعباء الحروب القديمة.
أولاً لأن الأسلحة غدت ذات قوة تدميرية هائلة تخلّف ضحايا كثراً وخراباً أكبر، وثانياً لأن مسرح الحرب اتسع وكاد يشمل البلدان المتقاتلة من أطرافها إلى أطرافها، خصوصاً إذا استمد الغيظ بأحدها أو بها جميعاً، ثم ثالثاً لأن الأهداف زادت، وبعد أن كان كسر العدو يتطلب إلحاق خسائر بشرية في صفوفه، بات يستلزم تدمير عتاده، ونجد رابعاً أن إعداد الجيوش وتمويل الحملات أصبح عالي الكلفة؛ فإن ضرب هدف صغير يلزم أموالاً بلا حدود، ويكفي حساب تمويل الآليات والبوارج والطائرات وأثمان الذخائر بأنواعها الشتى من الرصاصة إلى الصاروخ.
وتبقى خامساً النتائج غير المباشرة للحرب المتمثلة بالأذى النفسي للسكان، والتسبب في انتشار الأوبئة والمجاعة وتعميق الشروخ والانقسامات الاجتماعية؛ فإذا كانت الحرب أهلية، وكانت حرباً في بلد فقير كاليمن تصبح الكارثة بلا سقف والهاوية بلا قرار.
حتى الآن لا توجد أرقام عن الأعباء المالية وعن أعداد القتلى والمشوّهين والمعاقين في اليمن، لكأنما بدأ الحديث عن سنة من الحرب، انطلاقاً من ذكرى أمل، راود القوى المناهضة لها حين تفجّر الصراع بين الشريكين في صنعاء، جماعة الحوثي وعلي عبد الله صالح، في ذلك الوقت تمنّى أشد المعارضين السابقين لصالح أن يربح المعركة من ثقة بأن الحوادث ستشق مجرى سريعاً إلى نهاية للحرب.
كان المشوار على ذلك الطريق سيأخذ أياماً قليلة للاتفاق على هدنة يتبعها تفاوض سيكون هو الآخر يسيراً وقصيراً، أما وقد انتهت تلك الحرب الخاطفة بمصرعه؛ فإن فرص السلام تباعدت، وبعد 12 شهراً من الآلام والدماء والدموع، لا يلوح ضوء هناك في الأفق البعيد، وليس ما يطمئن النفوس إلى أن الوضع بعد سنة قادمة سيكون أفضل منه اليوم، ذلك أن الموقف الملتبس لبعض الدول الراعية للمفاوضات يثير المخاوف، وقد تبدّى بإطلاق صيحات تحذيرية للحكومة عندما اقتربت قواتها من تحرير الحديدة، هناك رفعوا سلاح الحالة الإنسانية رغم يقينهم أن الحوثيين يعيقون إدخال المساعدات ويجعلون وصولها عذاباً لمن يستحقها، بدءاً من منع وصول السفن إلى المرسى حتى منعها من تفريغ الحمولات، وصولاً إلى تعطيل مرور الشحنات المنقولة في البر، بعد ذلك فهم ينهبون أكثر ما يصل إلى القرى والمدن، وقد يشترون به الشباب والأطفال لزجهم في الحرب، ويعرف الذين يرفعون أصواتهم بالاعتراض على تحرير ميناء الحديدة أن هناك موانئ (بحرية وبرية وجوية) عديدة تحت إدارة الحكومة، تتمتع بطاقة استيعابية كافية وتتوزع على مسافات جغرافية مناسبة، لكن هكذا يتخذون من الحالة الإنسانية سبباً.
وفي تعامل المبعوث الخاص مارتن جريفيث أظهر ميلاً شديداً إلى طول النفس، فعلى مدار عشرة شهور اهتم بالسماع من منظمات وشخصيات لا شأن لها بصناعة الحرب، وذلك حقه دون شك من غير أن نغفل أنه قضى وقتاً طويلاً قبل توقيع قرار تعيينه في دراسة ملفات الأزمة التي تصب في مجرى النهر الكبير للحرب، مع هذا فقد عجز على مدى الشهور العشرة أن يجمع الأطراف في جنيف، لكنه نجح في جمعهم في السويد، ولما كان وفد الحوثي هو الذي تخلّف في الأسبوع الأول من سبتمبر فقد راح يتودّده في جولته الأخيرة.
وحين أخذوه إلى الحديدة لم يسمحوا له إلا برؤية الميناء ولم يروه شيئاً في المدينة المحفّرة والمخفرة، وقبل ذلك اشترط عليه زعيمهم أن ينقل جرحى إلى عمان، ثم تعالى الخطاب وقال رئيس وفدهم: إنهم لن يذهبوا للتشاور حول قضايا ثانوية وإنما يشترطون التباحث حول إطار واسع للحرب.
ربما ظن صاحبه لكنه على حق، وعلى نفس الحق كانت الحكومة رفضت في مرات سابقة تجزئة الحل، انطلاقاً من أن سياسة «الخطوة خطوة» مصيدة اخترعها هنري كيسنجر، وكل مانتمناه أن تكون مفاوضات السويد بداية الحل،وان يخيب ظن من لايرون في الأفق شيئا يدعو للأمل.