قضايا ودراسات

ممثلون أبرياء.. لا أبرياء

تُفّرغ بعض.. بل الكثير.. من البرامج والمسلسلات الرمضانية شهر الصوم من هويته الثقافية الروحية، وَتُموضع الشهر في زمن «سياحي» بين القنوات التلفزيونية التي تظهر عليها أعراض حمى التنافس التجاري لا الثقافي حتى قبل بدء رمضان بفترة دعائية تمهد للمواد الدرامية وغيرها من برامج.. كي يجد المشاهد نفسه في ما يشبه الرمال المتحركة الفضائية هو وعائلته وسط ما سماه المفكر التونسي د. عبدالسلام المسدّي «التلوث اللغوي» في كتابه.. «..العرب والانتحار اللغوي..».
يرسم د. المسدّي هذا المشهد التلفزيوني العائلي الذي لا يتكرر في رمضان وحسب، بل، وفي كل الشهور.. يقول.. «..تتخذ بين أفراد أسرتك الساهرة أمام شاشة التلفزة المقعد الأوسط تتابعون جميعاً أحد الأفلام أو حلقة من أحد المسلسلات، إما أنك تجامل الأهل أو لأنك ملتزم باستقراء كل ما تتأثث به ثقافة مجتمعك. الأبطال وسائر الممثلين يؤدون أدوارهم بإحدى العاميات العربية، من حولك منغمسون مع الأحداث والمشاهد، وأنت الذي تتذكر أن الممثلين أبرياء.. لكن الذي أنطقهم بتلك العامية بذاتها هو المخرج ووراءه المنتج والمسوق والموزع..».
لكن التلوث اللغوي لا يقتصر على الاستخدام الفج للعاميات العربية في بعض المسلسلات، بل الفصحى أيضاً لا تنجو من هذا التلوث عندما تستخدم بلسان غريب عليها.
التلوث، أيضاً، يطال المضمون الدرامي وغير الدرامي، وذلك عندما تشاهد مسلسلاً قائماً تماماً على استحضارات مشبعة بصور وسلوك الشبيحة والبلطجية حملة السلاح غير القانوني في بلدان الانفلات الأمني والعشائر الطائفية، وكأن الإنسان العربي لا يكفيه ما هو فيه من زعران الحواري والبلدات الموبوءة بالعنف والابتزاز.
هذا نوع من التلوث، ولكنه فكري وثقافي وأخلاقي، تلوث يقهر الإنسان في شهر هويته روحية إنسانية قلبانية بالدرجة الأولى.. لكن، مرة ثانية، وبحسب المسدّي: الممثلون أبرياء.. ومن أنطق الأبرياء هو المذنب.
قبل أيام قرأت مقالة لكاتب عربي يعلق فيها على برنامج يقوم على الخداع والفرجة الفكاهية «المريرة» ويقول الكاتب إنه لا يريد أن يضحك من أحد، ولا يضحك على أحد، مَنْ قال لك إنني أريد أن أضحك في زمن البكاء، وزمن التلوث والغبار العالق في رموش الأطفال.
بالمقابل، ولكي لا نضع الشهر كله في سلة واحدة أو في «روزنامة واحدة» فما أكثر الدمع العربي وما أنظف براءته عندما تشاهد حلقات برنامج «الصدمة» على سبيل المثال.. أما ناصر القصبي فهو »أيقونة« ضحك ما بعد الإفطار، وفي آلاف المشاهدين شيء من هذا الممثل «غير البريء».
يوسف أبولوز
y.abulouz@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى