قضايا ودراسات

من «الثقة الاستراتيجية» إلى حافة الهاوية

فيصل جلول

تداعت «الثقة الاستراتيجية» المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية التي انبثقت عن قمة البلدين في إبريل/نيسان الماضي، لتكرار «الحوادث السلبية» التي ما انفكت تتوالى منذ ذلك الحين، وآخرها انتهاك بارجة حربية أمريكية لما تعتبره الصين مياهها الإقليمية، بالقرب من جزيرة «زونغ جيان» الواقعة في «أرخبيل باراسيليس»، وفي منطقة حدودية هي موضع تنازع بين الصين وفيتنام. وقد استدعت الصين على عجل بارجتين حربيتين، فضلاً عن طائرات مقاتلة، وطلبت من البارجة الأمريكية الابتعاد فوراً عن المياه «الإقليمية الصينية». وللعلم فإن الصين تدير الجزيرة المذكورة منذ عقود.
خطورة الحادث تعيد التذكير مرة أخرى، بمنهج أمريكي بات ثابتاً بوصفه الأفضل في تحصيل مكاسب أمريكية.
الصينيون يعرفون أيضاً كيف يديرون اللعبة الدبلوماسية لمصلحتهم، ويعرفون أن الإدارة الأمريكية الجديدة التي ناصبتهم العداء قبل وصولها، عادت وغيرت رأيها بعد ذلك، واستقبل الرئيس ترامب نظيره الصيني شي جينغبينغ في مقر إقامته «مارا لاغو» في ولاية فلوريدا، وأقام وزوجته عشاء رسمياً حميماً لا يعكس بأي حال الوضع السابق، وما قيل من أن الصين «تسرق من الولايات المتحدة ملايين فرص العمل والوظائف العائدة للأمريكيين»، والتهديد بمعاقبة الصين، وفرض قيود على التجارة معها.
في لقاء القمة المذكور دعا ترامب إلى الحفاظ على وحدة الأراضي الصينية، لكن الذي حصل بعد ذلك أن واشنطن قررت بيع تايوان أسلحة بأكثر من مليار دولار. ومعلوم أن الصين تشترط على كل الدول الامتناع عن الاتصال بتايوان، إذا أرادت الحفاظ على علاقات جيدة معها، باعتبار أن هذه الجزيرة هي جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية.
والواضح أن «الثقة الاستراتيجية» المتبادلة التي تحدث عنها الصينيون بعد قمة فلوريدا، انهارت كقلعة من الكرتون بعد أن طالبت الحكومة الأمريكية الصين باحترام حقوق الإنسان في هونغ كونغ، فضلاً عن تأكيد إدراجها على اللائحة الأمريكية السوداء للدول التي تتم فيها التجارة بالأعضاء البشرية.
ومن المفيد لفت الانتباه إلى أن الإعلان عن صفقة الأسلحة مع تايوان تزامن مع فرض عقوبات أمريكية على مصرف صيني كبير متهم بالتعاون مع كوريا الشمالية، ذلك كله عشية قمة العشرين في هامبورغ بألمانيا يوم الجمعة التي ينبغي أن تشهد لقاء ثنائياً بين ترامب والرئيس الصيني، فهل يراهن ترامب على تنازلات صينية، وبالتالي انتزاع مكاسب يلوح بها في صراعه المحتدم مع خصومه الكثر في الولايات المتحدة؟
ويتناسب الرهان المذكور إن صح، مع استراتيجية الرئيس الأمريكي، مع فارق أنها في الحالة الصينية تنطوي على وجهين كبيرين، إضافة إلى الوجه الاقتصادي الأساسي، ذلك أن ترامب يريد انتزاع موقف حاسم من الصين تجاه كوريا الشمالية التي تثير بتصرفاتها الاستفزازية الهلع في صفوف حليفين كبيرين للولايات المتحدة، هما اليابان وكوريا الجنوبية، وتحتفظ واشنطن بقواعد عسكرية كبيرة، وعشرات الألوف من الجنود في الدولتين، وبالتالي، فإن التدهور الذي ينجم عن التجارب البالستية الكورية الشمالية يؤرق الجميع، ويفيد الصين بطريقة غير مباشرة. والظن الغالب أن ترامب يريد ضغوطاً اكبر من بكين على بيونغ يانغ لتدجين الزعيم الكوري الشمالي الشاب، ومن جهة ثانية لا تريد واشنطن الاعتراف ب«الستاتيكو» الذي فرضته بكين في بحر الصين الجنوبي والذي تمثل بتعيين للحدود البحرية من طرف واحد، وفرضته على جيرانها في فيتنام وماليزيا وسلطنة بروناي والفلبين.
إن مساعي الصين الحثيثة لإبعاد الأسطول السابع الأمريكي عن طريق إمداداتها الحيوي في بحر الصين باءت حتى الآن بالفشل، والدليل هو وجود البارجة الحربية الأمريكية قرب الجزيرة المشار إليها التي تدعي فيتنام ملكيتها أيضاً.
يستدرج ما سبق سؤالاً عن نوع رد الفعل الصيني في قمة العشرين. فهل تتصلب بكين وتلعب في فضائها البحري لعبة حافة الهاوية علّ ذلك يحمل ترامب على التراجع، وبالتالي يستدرج ضغوطاً داخلية ضده؟ أو أنها تمارس ضغوطاً غير مباشرة عبر جارتها الكورية الشمالية؟ أو تلجأ إلى الضغط الاقتصادي، وبالتالي التسبب بمتاعب اقتصادية للولايات المتحدة؟ أو تتنازل وتخضع لبعض الإملاءات الأمريكية؟
لا تتيح مؤشرات قمة العشرين المقبلة قراءه واضحة في مصير المواقف الأمريكية تجاه الصين، لكن يمكن القول إن هذه القمة سوف تكون صعبة بالنسبة للرئيس الأمريكي الذي سيواجه عاصفة من المواقف الأوروبية والصينية والروسية التي تتعارض مع السياسات الأمريكية المعلنة، خصوصاً ما يتعلق بالحمائية التجارية، والمناخ، وقضايا سياسية واقتصادية أخرى.

baridchama@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى