قضايا ودراسات

من يتدخل ومن لا يتدخل في سوريا؟

محمود الريماوي

بعد أسابيع على حديث للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أعلن فيه أمام عدد من الصحفيين أن الأردن ليس في وارد التدخل في سوريا خلافاً لما كان يتردد من أنباء حينها، فقد أكد رئيس أركان القوات الأردنية الفريق محمود فريحات قبل أيام في حفل إفطار لمتقاعدين عسكريين، أن القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، لن يكون لها أي تواجد أو دخول للأراضي السورية كما يشاع ويقال عبر وسائل الإعلام المختلفة..
في واقع الأمر أن تاريخ العلاقات بين الأردن وسوريا لم يشهد تواجداً أردنياً داخل الأراضي السورية. ولم يكن هناك ما يسوّغ حملة استمرت لأسابيع شنّتها بعض الأطراف ضد دخول محتمل ومزعوم «يمس السيادة السورية» في الوقت الذي تمتلئ فيه الأرض السورية بمتدخلين من جنسيات شتى إن لم يستبح بعضهم الحدود، فإنهم يستبيحون البيوت والأرزاق. والآن فإن هناك ما يشبه صراعاً دولياً للسيطرة أو بسط النفوذ على مناطق في البادية السورية، وقريباً من الحدود مع العراق. وبينما تسعى واشنطن إلى تفاهم مع موسكو للسيطرة على المنطقة ومنع «داعش» من التسلل إليها دخولاً أو خروجاً، فإن موسكو معنية كما يبدو بتسهيل دخول الحرس الثوري الإيراني وميليشيات الحشد العراقي الشعبي، واستهداف الجيش السوري الحر داخل المنطقة.
الأردن كما يتضح من تصريحات مسؤوليه، غير معني بالانغماس في «معمعة» الصراع داخل سوريا وعلى سوريا، ولكنه حريص على التشديد أنه لن يقبل أي وجود لتنظيمات إرهابية أو تنظيمات مذهبية قريباً من حدوده الشمالية وهي الرسالة التي طالما تبلغتها واشنطن وموسكو من عمّان.
والحال أن التدافع الذي يتم في هذه الظروف يرمي إلى محاولة رسم خرائط على الأرض غير قابلة للزحزحة في حال تم التوصل إلى تفاهم روسي – أمريكي لحل الأزمة السورية. وإلى ذلك الحين فإن هذا التدفق على أرض الآخرين يؤدي مهمة إطالة أمد النزاع وتعقيد سبل الحل وإزهاق أرواح من هنا وهناك.
لقد كان من شأن الأزمة السورية أن تدفق اللاجئون السوريون إلى الأردن ودول أخرى. وكان من حق الأردن والدول الأخرى توفير ملاذات آمنة برعاية الأمم المتحدة داخل الأراضي السورية لجموع النازحين بدل تشردهم في العراء. وحتى تدخلاً من هذا النوع فإنه لم يتم، رغم أنه كان وما زال مسوغاً لضمان إعادة اللاجئين ووقف مأساتهم ورفع العبء عن دول اللجوء.
ومع وجود خبراء عسكريين أمريكيين وفرنسيين وبريطانيين، فإن المتدخلين الكبار على الأرض هم: إيران وميليشياتها المتعددة الجنسيات، وروسيا، وبدرجة أقل تركيا. وهي نفسها أطراف اجتماعات أستانة التي تقوم بوضع حلول جزئية وتجريبية، وبعيداً عن بقية الأطراف المعنية بالأزمة. ومن المثير للاهتمام أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعرب عن خشيته من أن تتحول مناطق تخفيف التوتر التي خرجت بها اجتماعات أستانة، إلى حدود للتقسيم الفعلي. وفي واقع الحال وكما تدُل خبرة السنوات الست الماضية، فإنه بدون وقفٍ شامل للنار، والشروع في حل سياسي وفق المرجعية الدولية.. حل مرعيّ دولياً وإقليمياً، وعودة اللاجئين، وبدء الإعمار، فإن كل المخاطر تظل قائمة وداهمة، ويدفع ثمنها يومياً الشعب السوري المنكوب، ثم دول الجوار.. فيما الآخرون يتباهون بمناطق نفوذهم، وباستعراضاتهم العسكرية قريباً من الحطام والأنقاض، وبجوار خيام النازحين والأراضي المحروقة.
في الحديث نفسه الذي بُث الجمعة الماضية 2 يونيو الجاري فقد تحدث الرئيس الروسي عن «التدخل الأجنبي الذي فاقم الوضع في سوريا» على حد تعبيره.. وهي إشارة تثير التساؤل عمن هو أجنبي، وغير أجنبي في سوريا. فيما يبقى الحل مرهوناً من قبل ومن بعد بتفاهم روسي – أمريكي يضمن قيام مفاوضات جدية ومجدية في جنيف، تُراعى فيه مصالح جميع الأطراف، ويتم استشعار الحاجة الملحة لوقف إطلاق نار دائم بعيداً عن أحابيل الهدنات وتخفيض التوتر، ويتم فيه الإقرار بدون لبس أن سوريا لشعبها، ومن حقه تقرير مصيره بعيداً عن التدخلات «الأجنبية وغير الأجنبية» وبعيداً عن القصف والتدمير، وعدا ذلك فإن الاستنزاف سوف يطال الجميع، وسوف يستمر التوتر الروسي- الأمريكي الذي ينشر تفاعلاته الخطيرة هنا وهناك، ولكن بعيداً عن الأراضي الأمريكية والروسية.

mdrimawi@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى