من يحرك الأسواق الراكدة
رائد برقاوي
التقيته مصادفة في أحد فنادق دبي، تبادلنا أطراف الحديث عن سبب زيارته، قال إنها تجمع العمل والاستجمام، فالعالم مشلول بسبب الجائحة والإمارات تفتح أبوابها بمسؤولية وإجراءات احترازية، مضيفاً: «أعمل في أسواق المال ومقرّي في نيويورك، وأدير محفظة متوسطة بعدة مئات ملايين من الدولارات، 70 في المئة منها يرتكز على أمريكا والباقي موزّع في العالم».
سألته بسرعة: هل تستثمرون في الأسهم الإماراتية، فكان رده أسرع: لا. قلت له: لماذا؟ فرد ضاحكاً، لو كانت أسواقكم ناضجة بمعدل نصف أو ربع ما وصلتم إليه في السياحة، لكنتم أكبر جاذب إقليمي بين بورصات العالم.
امتد الحديث مع الزائر العابر ليشرح باختصار: «أسواقكم المالية لا تمتلك العمق الكافي لجذب المحافظ العالمية، تداولات متواضعة وشركات محدودة، وآليات ضعيفة، أدرك أن لديكم إمكانات مالية ضخمة، حيث اقتصادكم كبير ومتنوع، مقارنة بإقليم الشرق الأوسط، لكن هذا الأمر غير مترجم في شركاتكم المدرجة، فهي لا تعكس الواقع الفعلي». انتهى الحوار.
سألت نفسي بعد ذلك: كيف يمكن لنا هنا في الإمارات أن نفعّل أسواق الأسهم؟ وكيف لنا أن نجعلها أسواقاً عالمية جاذبة للاستثمارات؟ هل المشكلة في القوانين أم في الأدوات أو في السيولة والتمويلات؟
أعتقد أن الأمر يتعلق بشركاتنا، فهي الأساس التي يمكنها أن تجذب المستثمرين العالميين والمحليين معاً، وهي التي باستطاعتها أن توفر الفرصة الاستثمارية، فقاعدة أي استثمار في أي مجال، هي ضمان الحقوق، وفرص الربح، وإذا توافرا يكون النجاح ويتحقق الهدف.
والسؤال الذي يُطرح: إذا كانت شركاتنا بحكم التجارب السابقة لم تتمكن من جذب الاستثمارات العالمية، بسبب تضخم تقييماتها باستثناء قلة قليلة، فلماذا لا تخوض الحكومة هذا المضمار، وتعمل على طرح حصص من شركاتها على المستثمرين؟
عندما نتحدث عن الحكومة هنا، نعني الحكومة الاتحادية التي تمتلك قاعدة عريضة من المؤسسات، ونقصد الحكومات المحلية التي لديها قاعدة أكبر من الشركات، وعندما نذكر الحصص، فالمعنيّ هنا 10 أو 20 في المئة، ما يُبقيها مسيطرة على الملكية، بينما يمكن أن تكون إدارتها مشتركة مع المساهمين الجدد.
نتحدث عن شركات الكهرباء والوقود والطرق والبريد، عن المتاحف والمصانع والمعارض والطيران والمطارات، وحتى عن التراخيص والخدمات التي تجني أرباحاً.
أمامنا خمسون عاماً قادمة ملأى بالتحديات والأهداف للانتقال إلى مرحلة جديدة عنوانها الاقتصاد والتنمية، والبناء والتقدم، والقوة والتنافسية، والرفاهية والسعادة والأمن والأمان، وكلها عناوين تحتاج إلى فكر جديد وشراكة أوسع مع القطاع الخاص، الذي يمتلك إمكانات ضخمة وخبرة متأصلة.
أسواق المال اختبار حقيقي لأي اقتصاد يسعى إلى العالمية، ومن المؤكد أن الإمارات تسعى إلى ذلك؛ لذا علينا الإسراع في هذا الاختبار وسننجح فيه، وعلى إدارات أسواقنا أن تُعد ملفات عن الشركات الحكومية التي يمكن إدراجها، عليها أن تتحرك مع الهيئة والوزارة لإقناع مؤسسات الحكومة المختلفة بخطوة كهذه.