قضايا ودراسات

مهاوي اللعب بجبال الرموز

عبد اللطيف الزبيدي

الحسابات والمقاييس والأوزان، وحتى معايير المجانين، لا تقبل أن ترجح كفة بضعة ملايين على كفة المليار ونصف المليار. ذلك هو توضيح الواضحات للذين لا يستطيعون استيعاب قضية فلسطين والقدس في ميزان فلسفة التاريخ. لكن يجب أن نشرح للمغترّين بالقوة، كيف ترمي لهم فلسفة التاريخ بقشرة الموز، فيتزحلقون في الاتجاه الذي يستحقه لعبهم بجبال الرموز، فهذه أكبر من حصاة مكرهم.
سيثبت التاريخ أن وعد بلفور كان غشاوة عمى بصيرة لا أكثر. دعك من أسطورة القوى العظمى، يكفيك أن تنظر ساخراً إلى ما تفعله القوة بنفسها، من خلال عبثها بمصاير الآخرين. كل ما تفعله سخرية التاريخ هو أن تنتظر لحظة بلوغ القوة الجبّارة أوج سرعتها، ما يسمّيه أهل الطيران نقطة اللاّعودة، فتغشّي بصرها، والبقيّة على طريقة الاصطدام، السيناريوهات شتى والحماقة واحدة.
وعد بلفور هو بالضبط جرّة العسل التي أهديت إلى راعي «الصهيونية» العالمية. فيلسوف التاريخ أرنولد توينبي، كان سنة 1917 دون سن الثلاثين بقليل، كان على وزير الخارجية أن يسأله عن العواقب الوخيمة للعب بذيل ألواح تكتونيّة نائمة. خذ هذا المثال البسيط حتى تعلم أن غباء الظالم هو أقوى استراتيجية «تجيب خبره»: حسناً، سلّمنا بأن المؤامرات اختلقت «داعش»، وجنّدت لها من بلدان العرب وسائر العالم عشرات الألوف من المرتزقة الذين باعوا شرف كل انتماء وهوية بثمن الخزي، لجعل أرض العرب خرائب، حتى يتسنّى للغاصبين مدّ أرجلهم على امتداد الخريطة العربية. الحماقة الكبرى هي أن أدعياء الجغرافيا السياسية والعلوم الاستراتيجية، الذين ترفدهم بالتحليلات عشرات مراكز البحوث والدراسات، وآلة إعلامية عملاقة، لم يفكروا قط في المشهد المقابل المحتمل، ولكنه عين اليقين في فلسفة التاريخ، وهو أنه إذا استطاع المخططون بغير حق أن يجمعوا ألوف المرتزقة، فكم عدد الشرفاء الغيورين في بحر الشعوب العربية فقط، الذين تتوهج القدس في مهجهم وعقولهم وأرواحهم والحق إرادتهم وطموحهم؟ كيف طغى الغباء على الغاصبين إلى حدّ توهّمهم أن الانتصار للحق مات في العرب، وأنهم لا يصلحون بعد إلاّ للخروج من التاريخ؟
الآن وقعت الفأس في الرأس. لم يعد في إمكان المحتال أن يبيع بضاعة السلام المغشوشة. مجرى الوقائع سيكمل كتابة الرواية التاريخية، كما تمليها فلسفة التاريخ كلمة كلمة، بالفاصلة والنقطة.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستقرائية: لقد اتهموا العربيّ بأنه لا يقرأ، فهل يستطيعون اتهام فلسفة التاريخ بأنها لا تملي قوانينها؟

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى