مواقع الانفصام عن الواقع
ماريان شين *
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي في وقتنا هذا الشغل الشاغل والقوة المسيطرة على مقاليد أمورنا اليومية ولو بطريقة غير مباشرة سواء اعترفنا بذلك أو لا، وقلما تجد شخصاً لا يمتلك ولو حساباً واحداً على الأقل ضمن مجموعة مواقع النخبة الشهيرة مثل فيسبوك أو تويتر أو انستجرام وحتى برامج التراسل الفوري مثل «واتس أب» وغيرها، فقد أظهرت دراسات أن متوسط ما يقضيه الفرد على الهاتف المحمول وحده، والذي يمكن اعتباره اليوم المنصة الرئيسية لتلك المواقع، يبلغ 30% من الوقت، وتتفاوت تلك النسبة من مكان إلى آخر وفقاً لمستوى الاعتمادية على التكنولوجيا، حيث يستغرق اليابانيون والأمريكيون خصوصاً سكان المدن مثلاً ما يصل إلى 38% من وقتهم على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، ما يطرح سؤالاً وجيهاً، هل بإمكاننا التخلي عن وسائل التواصل الاجتماعي أو الاستغناء عنها بغض النظر عن فوائدها أو سلبياتها؟
«يستحيل الاستغناء عنها»… هي الإجابة التي ستتبادر إلى ذهنك فوراً بمجرد مواجهتك بالسؤال، وسيسوق عقلك العديد من التبريرات التي تتوجس وتهاب مجرد انقطاع شبكة الإنترنت لفترة من الزمن. لقد جاءت ثورة وسائل التواصل الاجتماعي مقرونة بالتغير السريع الذي طرأ على نمط حياتنا، من الاعتماد سابقاً على أجهزة التلفاز والمطبوعات الورقية والهواتف المنزلية، مروراً بفترة التأقلم على تلك التقنيات الجديدة، وحتى إدماننا عليها، والتي ورغم إيجابياتها العديدة فإنها أقصت الكثير من التواصل الحسي المباشر بين الناس إلى مدى أصبح فيه من لا يمتلك حساباً على الأقل بمواقع التواصل الاجتماعي، أو هاتفاً ذكياً كمن يعيش وحيداً في عزلة عن العالم الذي غزته التكنولوجيا من جميع أبوابه.
يجب الاعتراف أولاً بإيجابيات تلك الوسائل التي أضحت اليوم نافذتنا على عالم من معلومات وأخبار وترفيه وحتى الإعلانات، إضافة إلى أنها أحدثت تغيراً ثورياً في طريقة تفكيرنا ونظرتنا وتواصلنا مع العالم، ولكن وبمجرد الاستغناء عنها لبعض الوقت، سيتجلى أمامنا حجم ما تستهلكه من وقتنا اليومي. أظهرت دراسة ألمانية حديثة أن الاستغناء عن مواقع التواصل الاجتماعي لبعض الوقت يحسن بشكل كبير قدرة الإنسان على الإحساس بالجمال الذي سرقت منا تلك الوسائل جزءاً منه، علاوة على أنه يحرر العقل من الارتباط الوهمي بتحديثات الصفحات الشخصية.
خلاصة القول إنه لا يمكن التخلي عن وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كامل، بل يمكن الموازنة بينها وارتباطنا الحقيقي بمن حولنا، وتغيير علاقتنا غير الصحية معها إلى منحى إيجابي آخر، وعدم اعتبارها بديلة عن أشياء أساسية مثل القراءة والرياضة وغيرها.. اللحظة التي نعيشها هي الحقيقة وليست ما يظهر على شاشة هاتف أو حاسوب.
* تك سنترال