قضايا ودراسات

موجة قطر تنحسر

كمال بالهادي

ملحمة الجيش المصري ضدّ «وباء العصر» ما زالت مستمرّة، والنصر قادم في المنظور القريب، بعد أن حقق الجيش العراقي نصره على الخلافة المزعومة ووأدها بين أزقة المدينة العتيقة في الموصل. «داعش» منظومة إرهابية تراجعت وانحسرت، والدول الداعمة لها، هي أيضاً موجة زبد تتراجع وتنحسر.
وبين ما يحدث في سيناء، وما حدث في الموصل، رباط وثيق بالدور القطري، يتمثل في دعم قطر للجمعيات والتنظيمات المصنفة إرهابية. فما وقع من أحداث دامية في سيناء في الأيام الماضية، هو بالتأكيد يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما لا يدع مجالاً للشكّ بتلك العواصم والغرف الاستخباراتية التي تقع فيها هندسة ضرب استقرار الدول واستهداف جيشها الوطني. وليس خفياً على أحد أن ما حدث ويحدث في مصر، يجد صداه في الدوحة، وفي وسائل إعلامها المحرضة على النظام المصري.
وبالرغم من حجم الآلام التي يمكن أن يشعر بها شعب، تُذبح جنوده الأبرياء من طرف مجاميع وفلول إرهابية تمت صناعتها لتحقيق تلك الأهداف، فإنّ «موجة داعش» تنحسر، وأياً كان استمرارها في حالة مدّ ضعيفة مستقبلاً، فهي إلى جزر قريب. وجزرها سيكشف حتماً الأدوار القذرة التي مارستها أنظمة وجمعيات وأفراد في تكوين تلك المجاميع الإرهابية وتمويلها، وفي تسليحها أيضاً. والأهم من انحسار «داعش» الذي يبقى في النهاية مجرد أداة تنفيذية، هو أن الدول الداعمة للفكر الأم والدول الممولة للتنظيم الأم هي الآن في حالة انحسار. وعلى رأس هذه الدول تأتي دولة قطر، التي ظلت طول السنوات الماضية حاملة لواء الإسلام السياسي، مدافعة عن خياراته، مبررة حتى لعملياته الإرهابية، من خلال خطاب إعلامي، يقلب الحقائق، ويسعى إلى تشويه كل الكيانات السياسية التي تختلف مع تنظيم «الإخوان».
وربما كانت الأزمة الخليجية الأخيرة، هي ناقوس خطر دقته بعض الدول العربية، بعد أن فطنت إلى أنّ المؤامرة الكبرى التي تحاك ضد الأمة العربية هي غير مسبوقة.
من هنا كان لابد من تقليم أظفار المارد قبل قلعها، والإجهاز على المارد نفسه في مرحلة لاحقة. والإجراءات العقابية التي تم اتخاذها ضد النظام القطري، كانت مفروضة على تلك الدول لأنّها عجزت عن إيجاد بدائل سياسية تثني الدوحة عن مسارها الذي اتبعته، والمتمثل في استهداف استقرار عدة دول عربية، وهذا مثبت في بيانات الدول المقاطعة.
منذ أكثر من شهر، تغيرت قواعد اللعبة، و«موجة قطر» هي في انحسار تام، حتى تعود الجزيرة إلى حجمها الطبيعي، وحتى تعود الدويلة الخليجية إلى المكانة التي تستحقها، وتدرك موازين القوى في المنطقة وفي العالم. ولعل الأحداث المتتالية والمتسارعة في المنطقة، وعلى رأسها تحرير الموصل من أشرس تنظيم إرهابي في تاريخ البشرية، ثم الاتفاقات المعلنة بين زعماء العالم على ضرورة تطهير الرقة من بقايا «داعش»، والاتفاقات المعلنة على ضرورة وضع حد للحرب في سوريا، والذهاب إلى مفاوضات سياسية شاملة وجدية تنهي «العصر القطري» الجامح، هي كلها تطورات سياسية مهمة، تجعل الكفة تميل إلى أنصار الحلول السلمية، وتبتعد عن خيارات ما يسمى «الإسلام الجهادي» الذي جرّب الجميع ويلاته، وعاشت دول العالم ويلاته.
اللقاء الأول بين بوتين وترامب، ومثّل خطوة مهمة في هذا السياق، فهناك اتفاق على تهدئة الوضع في سوريا، وتجنب تصعيد العمليات العسكرية من أي جهة. وهو اتفاق لافت سيؤثر حتماً على الجهات المتصارعة في سوريا، وسيقودها إلى الإذعان لشرط المفاوضات السياسية. وسيكون على تلك الجماعات مثل «النصرة»
ومشتقاتها، أن تواجه مصير الإبادة، إن واصلت المضي في سياسات التخريب والهدم.
في المحصلة، فإن المشهد السياسي الإقليمي والدولي، سيكون في طريق بعيدة عن الطريق التي رغبت قطر أن يسير فيها الجميع تحت يافطة «الربيع العربي». ويبدو أن تلك الموجات التي مثلت تسونامي هدم ما كان قائماً من أركان دول عربية، لا يمكنها أن تكون بديلاً عقلانياً، فكرياً أو سياسياً لشعوب عربية تتوق لحياة أفضل.
إن الموجة القطرية، وأساسها الإسلام السياسي المتمثل في فكر «الإخوان» المسلمين، يمكن القول إن يوم 5 يونيو/حزيران 2017، كان يوم هزيمتها، ولن يقبل العالم مستقبلاً العودة إلى الوراء، وحتى الشعوب العربية المكلومة، فإنها لن تقبل بأن تعيد التجربة مرة ثانية، مهما كانت المغريات.
يريد الناس، حريات سياسية وعدالة اقتصادية واجتماعية، ويريدون إسلاماً عقلانياً، يواكب العصر، ويريدون اجتهادات فقهية، تمثل حلولاً لحياتهم الآنية، وذلك هو الإسلام الحي الذي يريدون، إما «راية العقاب»، وإما حياة البؤس والكهوف، وإسلام قطع الرؤوس، فإنّ لا أحد عاقلاً يمكنه القبول به. ولذلك فإن الأخبار السارة الآتية من الموصل، ستأتي من دمشق ومن صنعاء ومن القاهرة ومن طرابلس الغرب. ستنسحب الغربان، وستشرق الشمس من جديد، بعد أن يتراجع الطوفان.

belhedi18@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى